إكثار النفائس إرخاص لقيمة الذات: لا تفقد مكانتك في قلب من تحب

الكاتب / د . محمد بن احمد بن غنيم المرواني
في العلاقات الإنسانية، هناك أشخاص يحتلون مكانة عظيمة، مكانة لا يصل إليها أحد، مكانة تُغير كل شيء، تُعيد ترتيب الأولويات، وتجعل من ضحكاتهم مهرجانات فرح، ومن أحزانهم زلازل تهز أركان الحياة. هؤلاء هم الأحبة، الأزواج، الأصدقاء المقربون اصحاب الوئام، الذين لا يكونون مجرد أشخاص في حياتنا، بل يصبحون الحياة ذاتها.
حين يصل إنسان إلى هذه المكانة، فإن تأثيره يتغلغل في أدق تفاصيل الأيام و الحياة، يُصبح اهتمامه أهم من اهتمام الجميع، وإحساسه أقوى من إحساس أي شخص آخر، وسعادته تنعكس كالربيع، تُلون الحياة بأجمل الألوان، وزعله يعصف كالإعصار، يحوّل الدنيا إلى ظلمة، والراحة إلى شقاء، والفرح إلى ألم. يصبح غضبه حدثًا جللًا، وحزنه أزمة كبرى، وزعله نداء استنفار يدفع الطرف الآخر لبذل كل جهد، وتحريك الأرض والسماء ان استطاع فقط لإرضائه، لإعادته إلى رضاه، لانتزاع ابتسامة منه تعيد التوازن إلى الحياة.
هؤلاء عندما يزعل أحدهم تفقد الحياة قيمتها و البهجة رونقها و المتعة لذتها فنبذل كل نفيس و كل جهد لإرضائهم .
فنقدم الأعتذار مخطئين كنا أو غير مخطئين و نشرح و نبرر و نتصنع الأعذار، نقوم بأي شيء لإرضائهم مهما كان الثمن ، نبذل المجهود الجبار لإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الخلاف و لنيل رضاهم.
لأن زعلهم نفيس و مكانهم كبير و عزيز فالأصل في العلاقة مع هؤلاء الرضى و الوئام و التفاهم و لا يهنأ لنا بال حتى نعود إلى هذا الوضع الذي يعطي لحياتنا طعما و نكهة و لأيامنا سعادة و لذه.
و لكن في بعض الحالات يتكرر الزعل النفيس و يبدأ في الزيادة ، في البداية يكون الأمر جلل عظيم ثم يتحول إلى أمر صعب و لكن تبذل المجاهيد لحله فإذا ما زاد الزعل النفيس و تكرر باستمرار و بفوارق زمنية ليست طويلة و لأسباب متكررة أو بسيطة فإن هذا النفيس يبدأ في فقدان قيمته ليتحول إلى أمر آخر.
و لأن هناك قاعدة لا يخطئها الزمن، ولا تتجاوزها الطبيعة البشرية: النفيس إذا كَثُر، يفقد قيمته! لا شيء يبقى ثمينًا إن تم استهلاكه بلا حساب، حتى الحب، حتى الزعل، حتى الغضب، حتى الألم، حتى المكانة في القلب.
إذا تكررت حالات الزعل والغضب، وتوالت الانفعالات، وأصبح الزعل حدثًا شبه يوميًا لأسباب صغيرة أو متكررة، فإن أثره يبهت، وقيمته تتراجع، ويصبح مجرد تفصيل آخر في أحداث الأيام لدى الطرف الآخر، مجرد أمر اعتيادي لا يستدعي استنفار القلب والروح. يصبح الزعل مألوفًا، فلا يُحرّك، ولا يُثير، ولا يغيّر، ولا يوقظ ذاك اللهيب الذي كان يشتعل في كل مرة يزعل فيها من له مكانة في القلب.
ومع فقدان الزعل لقيمته، فان ذلك النفيس يصبح رخيصا او بلا قيمة و يفقد صاحبه مكانته، تلك المكانة التي كانت استثنائية، فريدة، لا تُضاهى.
لا تكثر من الزعل، لا تكثر من اللوم، لا تجعل حزنك قريبًا من فرحك، ولا تجعل غضبك قريبًا من رضاك، حتى لا تصبح المشاعر متشابهة، فتبهت، وتصبح مجرد صوت في ضجيج الحياة.
إذا كان هناك ما يزعجك، فتكلم بهدوء، بحب، بصدق. ناقش، استمع، افهم، لا تجلد، لا تكرر الشكوى نفسها حتى تفقد قيمتها، لا تجعل نفسك سجينا للانفعالات. سامح، تغاضَى، مرر بعض التفاصيل، التمس الأعذار إلى من تحب، غلب حسن الظن، لا تترك للأوهام و التخيلات السلبية و الشكوك مجالا، ركّز على الجوهر، تذكر إيجابيات من تحب، تذكر مواقفه الطيبة، لا تركز على القشور و التفاهات، ارتق بمستوى تفكيرك.
احفظ قيمتك في قلب من تحب ، ولا تجعل زعلك مجرد عادة تُدرَج تحت قائمة “الأمور المعتادة”، و لا تجعلها من منغصات الحياة اليومية، بل اجعلها نفيسة من النفائس، نادرة من النوادر، استثنائية، مهيبة، حتى تبقى ذات قيمة، وحتى تبقى أنت الأغلى، و حتى تحتفظ بمكانتك في قلب من تحب و لتبقى انت الأثمن، والأكثر تأثيرًا في قلب من تحب.
و اخيرا لا تكثر من زعلك النفيس فتفقد قيمتك، و لكي تبقى أنت عزيزا غاليا في قلب من تحب فتسعد بطيب الحياة