“إن لم أكن، لن تكون”: معادلة الوجود والترابط

بقلم:اميره المعجل
تتجاوز عبارة “إن لم أكن، لن تكون” مجرد الكلمات لتلامس جوهر الوجود والترابط العميق بين الكائنات، بل بين كل مكونات الحياة. إنها ليست مقولة للغطرسة أو الأنانية، بل هي إشارة فلسفية عميقة إلى التكافل، التأثير المتبادل، والاعتمادية التي تحكم عالمنا.
الوجود المتشابك
كل فرد، كل عنصر، وكل جزء في هذا الكون يمتلك دوراً، صغيراً كان أم كبيراً. فغياب مكون واحد قد يؤثر بشكل جذري على النظام بأكمله. تخيل حلقة مفقودة في سلسلة: لن تكتمل السلسلة ولن تؤدي وظيفتها. كذلك هي الحياة؛ وجودي لا ينفصل عن وجودك. أنا كفرد، جزء من نسيج مجتمعي وثقافي وبيئي. إن لم أكن موجوداً أو لم أقم بدوري، فإن هذا الغياب سيترك فراغاً، أو نقصاً يؤثر عليك أنت، وعلى المحيط من حولنا.
المسؤولية الفردية وأثرها الجمعي
المقولة تحمل في طياتها دعوة للتأمل في مسؤوليتنا الفردية. فكل منا يحمل جزءاً من المسؤولية تجاه الكل. إذا تهاونت في دوري، فإن هذا التهاون لن يقتصر أثره عليّ فحسب، بل سيمتد ليطال الآخرين. على سبيل المثال، إذا لم يكن هناك من يزرع، فلن يكون هناك خبز. وإذا لم يكن هناك من يعلّم، فلن تكون هناك معرفة. هذا يبرز قيمة كل جهد فردي، مهما بدا بسيطاً. “إن لم أكن” فاعلاً ومنتجاً، فكيف “ستكون” الحياة بمجملها في أفضل صورها؟
دور القائد والمُلهم
في سياقات القيادة والإلهام، تأخذ هذه المقولة بعداً آخر. القائد الذي يغرس الرؤية ويلهم الأتباع يقول ضمنياً: “إن لم أكن هنا لأرسم الطريق، لن تسيروا في هذا الاتجاه”. الفنان يقول: “إن لم أكن لأرسم أو أعزف، فلن تسمعوا هذا اللحن أو تروا هذه اللوحة”. المبتكر يقول: “إن لم أكن لأفكر خارج الصندوق، فلن يكون هناك هذا الحل الجديد”. هنا، تعكس العبارة الأثر العميق للشخصيات المحورية التي تقود التغيير وتصنع الفارق.
الاعتمادية المتبادلة في الأنظمة
يمكن تطبيق المقولة أيضاً على الأنظمة المعقدة، سواء كانت طبيعية أو بشرية. النظام البيئي يعتمد على توازن دقيق بين الكائنات الحية وغير الحية. إذا اختفى كائن حي أساسي (إن لم يكن)، فقد ينهار النظام بأكمله (لن يكون). في الاقتصاد، تعتمد الأسواق على وجود المنتجين والمستهلكين. غياب أحدهما سيؤدي إلى خلل كبير. هذا التكافل هو ما يضمن استمرارية وديمومة الأنظمة.
في الختام، “إن لم أكن، لن تكون” ليست مجرد تأكيد للذات، بل هي تذكير عميق بترابط الوجود. إنها دعوة للتفكير في كيف يمكن لوجودنا وأفعالنا أن تشكل واقع الآخرين، وكيف أن إسهاماتنا الفردية هي اللبنات الأساسية في بناء مجتمع قوي وحياة متكاملة. كل منا قطعة أساسية في أحجية الوجود، وغيابه يعني نقصاناً لا يكتمل إلا به.