“الازدواجية المرتبطة بالجذور الإبستيمية للغة”: أسس الهوية ودور اللغة في التواصل والتفاعل الثقافي

د. فاطمة أبو واصل
قدمت هذه المحاضرة لطلبة الفلسفة، علم الاجتماع، اللسانيات، والدراسات الثقافية.
حيث قالت: تعد اللغة أكثر من مجرد وسيلة تواصل؛ إنها تجسيد للهوية، وخزان للمعرفة، وأداة لصناعة العالم.
في هذه المحاضرة، سنناقش كيف أن الازدواجية اللغوية ليست مجرد ظاهرة لغوية، بل تمتد جذورها إلى الأبستمولوجيا (نظرية المعرفة)، وتؤثر على فهمنا للهوية، والتواصل، والتفاعل بين الثقافات.
الجذور الإبستيمية للغة
ما المقصود بالأبستمولوجيا؟
هي دراسة طبيعة المعرفة، مصادرها، وشروطها.
في السياق اللغوي: كيف تُنتج اللغة المعرفة؟ وكيف تترجم الواقع؟
العلاقة بين اللغة والمعرفة:
• اللغة ليست حيادية: الطريقة التي نُسمّي بها الأشياء تشكّل فهمنا للعالم (نظرية سأبير وورف Sapir-Whorf Hypothesis).كل لغة تحمل منظومة مفاهيمية خاصة.
الازدواجية الإبستيمية: التوتر بين لغتين أو أكثر داخل نفس العقل أو المجتمع. كيف يؤثر التنقل بين منظومتين لغويتين على الطريقة التي نفهم بها الواقع؟
مثال: المفهوم الفلسفي لكلمة “الحرية” في اللغة العربية والإنجليزية قد يحمل دلالات مختلفة بناءً على الإطار الثقافي والمعرفي.
المحور الثاني: أسس الهوية وعلاقتها باللغة ،
اللغة كحامل للهوية: ليست فقط وسيلة تعبير، بل أيضًا: ذاكرة جماعية، مرآة للانتماء الديني/الثقافي
أداة تشكيل “الذات” ، فعندما تنقسم اللغة، تنقسم الهوية: ازدواجية اللغة (مثلاً: الفصحى والعامية – أو العربية والفرنسية في بلاد المغرب العربي) تؤدي إلى انقسام داخلي في الوعي والهوية.
يقول المفكر “عبد الله العروي”: “نحن نتكلم لغة، ونفكر بأخرى، ونحلم بثالثة.”
صراعات الهوية بسبب اللغة:
التوتر بين “اللغة الأم” واللغة المفروضة” ، ما الذي يحدث لهويتنا عندما نُجبر على إنتاج المعرفة بلغة ليست لغتنا الثقافية؟
دور اللغة في التواصل والتفاعل الثقافي
اللغة كوسيط ثقافي: من خلال اللغة، تنقل القيم، التقاليد، والسلوكيات. والتواصل بين الثقافات يحتاج “تفاوض لغوي” وليس مجرد ترجمة.
التفاعل الثقافي والازدواجية:
في المجتمعات متعددة اللغات، التفاعل الثقافي قد يكون خصبًا، لكنه أيضًا معقد.
مثال: الشباب الذين يتحدثون العربية في المنزل، والفرنسية أو الإنكليزية في الدراسة والعمل… كيف يتنقلون بين هويتين ثقافيتين؟
اللغة والسلطة:
من يملك “لغة السلطة” يتحكم في الخطاب العام والتعليم والإعلام. وهذا يعيد إنتاج الهويات المهيمَن عليها أو المهمَّشة.
المحور الرابع: أثر الازدواجية اللغوية على العقل والمعرفة
ازدواجية لغوية = ازدواجية معرفية؟
الصعوبة في التفكير النقدي أو التعبير العلمي بلغة لا تُدرّس بها العلوم. الانفصام بين “لغة الحياة اليومية” ولغة التعليم / الفكر”.
محمود درويش: “أنا لغتي… وأنا ما فقدته من اللغة.”
إذن اللغة ليست فقط وسيلة للكلام، بل هي البنية العميقة لعقولنا وهويتنا.
عندما نفهم الجذور الإبستيمية للغة، ندرك أن الازدواجية اللغوية ليست مجرد مسألة تقنية، بل أزمة هوية وثقافة ومعرفة.
الحل ليس في إلغاء أحد الوجهين، بل في خلق انسجام بين اللغات التي نحملها… لنصبح أوفى لهوياتنا، وأكثر قدرة على فهم العالم وتغييره..