الرياض تفتح أبواب العالم أمام دولة فلسطين

بروفيسور عوض سليمية
باحث في العلاقات الدولية ونائب مدير عام معهد فلسطين لأبحاث الامن القومي
الدبلوماسية الحكيمة التي انتهجتها الرياض بالشراكة مع فرنسا بدأت تؤتي ثمارها مع تزايد إعلانات العواصم الغربية المُهمة وفي المقدمة منها فرنسا وكندا وبريطانيا وأكثر من 11 دولة غربية أخرى نيتها الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية بحلول أيلول سبتمبر القادم، وفقاً لمقررات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الامن ومبادرة السلام العربية التي أطلقتها الرياض وأقرها مؤتمر القمة العربية المنعقد في دورته العادية الرابعة عشر في بيروت من العام 2002. والتي نصت في جوهرها على الانسحاب الكامل والشامل من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل بعد عدوان يونيو حزيران من العام 1967.
في الواقع، لم تكن مسارات المؤتمر الدولي لتعزيز حل الدولتين المنعقد في نيويورك مفروشة بالورود، خاصة مع الشريك الفرنسي. وأتبعت الرياض دبلوماسية النهج المتسلسل في استمالة الدول ذات الثقل السياسي على الساحة الدولية نحو مبادرتها الجديدة. فخلال زيارته لإسرائيل يوم 24 أكتوبر2023، دعا ماكرون الى توسيع التحالف الدولي لما اسماه “مكافحة الإرهاب” ليشمل التنظيمات المسلحة في قطاع غزة. وكان هذا الإعلان أخطر تصريح يصدر عن مسؤول أوروبي رفيع زار إسرائيل بعد احداث 7 أكتوبر. ومع مرور الوقت، أظهرت الدبلوماسية السعودية، بفضل استراتيجيتها المتوازنة والفعالة قدرة استثنائية في تحقيق تحول ملموس في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه القضية الفلسطينية. لقد تمكنت الرياض من التأثير على الموقف الفرنسي، ودفعه نحو الاعتدال في توجهاته وإيجاد أرضية سياسية مشتركة بين الطرفين لحشد الجهود الدولية لتنظيم هذا المؤتمر. وكان إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون عن نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال شهر أيلول سبتمبر المقبل أكبر إنجاز انتزعته الرياض من باريس، كمقدمة في دفع مزيد من الدول الأوروبية لاتخاذ خطوات مماثلة.
في خطابه امام المؤتمر الدولي، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على أهمية اتخاذ خطوات عملية وجادة لدعم القضية الفلسطينية، مشددًا على ضرورة أن يكون هذا المؤتمر نقطة تحول تاريخية في مسار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وأشار إلى أن المجتمع الدولي مطالب بتجاوز مرحلة البيانات والإدانات إلى العمل الفعلي الذي يساهم في تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وإنهاء معاناته المستمرة، خاصة في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة. ودعا الوزير إلى وضع خارطة طريق واضحة المعالم تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، تكون أساسًا لإنهاء الاحتلال وتوفير بيئة آمنة ومستقرة في منطقة الشرق الأوسط. كما حث الدول المشاركة على تحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه إنهاء آخر أشكال الاحتلال الاستيطاني، مؤكدًا أن الوقت قد حان لتحرك دولي يعكس إرادة حقيقية للسلام والعدالة.
تاريخياً، تُعد المملكة العربية السعودية رصيداً استراتيجياً للفلسطينيين، وهي من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية على المستويين العربي والدولي، حيث اتسمت مواقفها بالثبات والوضوح منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود “رحمه الله” وحتى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد. وتؤكد المملكة في سياستها الخارجية على مركزية القضية الفلسطينية، وتعتبرها قضية محورية تعكس التزاماً أصيلاً تجاه حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. ضمن هذه المواقف، قدمت الرياض دعماً مالياً مستمراً لتعزيز صمود الفلسطينيين، إلى جانب دعمها السياسي والدبلوماسي في مختلف المحافل الدولية للدفاع عن حقوقهم. كما لعبت دوراً مهماً في تعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية بإعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودعمت جهودها لتحقيق الاعتراف الدولي بحقوق الفلسطينيين.
الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي قادتها الرياض، الى جانب التنسيق عالي المستوى مع دول العالم وحسن الاختيار للشريك من الطرف الاوروبي وهنا فرنسا – بإعتبارها رائدة العمل السياسي والدبلوماسي لأوروبا، الى جانب اختيار توقيت المؤتمر، كلها عوامل اسهمت في تحقيق المزيد من حالة الاجماع الدولي حول الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. مع وضع ذلك في الاعتبار، جاءت النتائج الاولية لمؤتمر نيويورك الهادف الى تعزيز حل الدولتين وما افرزه من إقرار دولي جارف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره وإنشاء دولته المستقلة على ترابه الوطني، حرفياً كما خططت لها المملكة. وكما نجحت الرياض في تصحيح مسار السرد، تمكنت ايضاً من إرسال ر…