الرياض تقرأ… والحالة صفر تكتبنا من جديد

بقلم: بشاير الحمراني

الرياض تقرأ…
وليس هذا عنوانًا فحسب، بل إثبات أننا نقرأ بإبداعٍ بين السطور وخلفها، نقرأ لا لنعرف فقط، بل لنتغيّر، لنعيد بناء وعينا من جديد مع كل كتابٍ يهزّ فينا المعنى.
ومن بين تلك الكتب التي لا تكتفي بالحكاية، بل تفتح بابًا للتأمل، تأتي رواية “الحالة صفر” للكاتب عبدالمحسن الرباح، الصادرة عن دار ورقاء للنشر والتوزيع.

البداية من الصفر

في عمق كل إنسان نقطة ينهار عندها كل شيء، لحظة يصير فيها الصمت أصدق من الكلام، وتتحول النفس إلى مسرحٍ لجريمة داخلية لا يُرى فيها القاتل ولا المقتول.
تلك اللحظة هي ما يسميها الرباح بـ “الحالة صفر” — نقطة الانطفاء التي تُشعل طريق النور، والهاوية التي منها تبدأ الولادة من جديد.

ما بين الجريمة والضمير

الرواية لا تروي جريمة بالمعنى البوليسي، بل تكشف الجريمة الأعمق: جريمة الإنسان مع نفسه.
فيها تتقاطع العدالة مع الذنب، والاعتراف مع الخلاص.
أبطالها ليسوا مجرمين فقط، بل بشرٌ على الحافة، يكتشفون أن الحقيقة ليست في ملفات التحقيق، بل في مواجهة المرآة حين تبوح بما أخفوه طويلًا.

الصفر كرمز للوعي

العنوان يحمل فلسفة كاملة: الصفر ليس غيابًا، بل مساحة النهوض من اللاشيء.
إنه لحظة التطهير من الضجيج، حين يتجرّد الإنسان من كل أقنعته ويقف عاريًا أمام نفسه.
يقول الرباح من بين السطور: “لكلٍّ منا حالة صفر تخصّه، يمرّ بها ليبدأ من جديد.”
وهنا تتحول الرواية من جريمة إلى رحلة وعي وجودية، من محكمةٍ إلى اعترافٍ إنسانيّ شجاع.

اللغة التي تشبه المشرط

يكتب عبدالمحسن الرباح بلغةٍ دقيقة وهادئة، كمن يجري عملية جراحية في النفس.
جمله قصيرة لكنها مشحونة، تشبه نبض المذنب حين يسمع صوته الداخلي للمرة الأولى.
لا يصرخ السرد، لكنه يوجع.
ولا يبرّئ أحدًا، لكنه يمنح الجميع فرصة الخلاص.

لماذا نقرأ الحالة صفر؟

لأنها تجعلنا نرى أنفسنا في المتهم، ونشعر ببراءتنا في ذنبه.
لأنها تعلّمنا أن العدالة ليست حكماً يُعلن، بل يقظة ضميرٍ تتأخر لكنها تأتي.
لأنها تذكّرنا بأن الصفر ليس رقمًا في الفراغ، بل بابًا يُفتح حين ينغلق كل شيء.

اقتباسات من الرواية

“حين تصل إلى الحالة صفر، لن تخاف السقوط بعد الآن… لأنك لامست القاع، واكتشفت أن النجاة تبدأ من هناك.”

“كل إنسان يخفي جريمة ما، لا شرط أن تكون دمًا… أحيانًا تكون خيانة لصوته الداخلي، أو صمتًا في وجه الحقيقة.”

“لم أكن أهرب من الآخرين، كنت أهرب من نفسي التي عرفت أكثر مما تحتمل.”

“العدالة ليست قانونًا يُطبّق، بل ضميرٌ يصحو متأخرًا… لكنه يصحو.”

انطباع شخصي

حين أغلقت آخر صفحة من الحالة صفر، لم أشعر أنني انتهيت من القراءة، بل كأن الرواية انتهت مني لتبدأ فيّ.
أيقظت في داخلي تلك المساحة الصامتة التي كنت أهرب منها، وأخبرتني أن السقوط لا يعني النهاية، بل عودة الوعي إلى بدايته الأولى.
عبدالمحسن الرباح كتب رواية لا تُقرأ لمجرد التشويق، بل لتفتح في القارئ تحقيقًا شخصيًّا مع ذاته.

ربما “الحالة صفر” هي مرآة نحتاجها جميعًا —
كي نسأل أنفسنا:
هل نعيش حقًا، أم ما زلنا عالقين في حالتنا الصفر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com