بعد ألف عام من الانتظار: دارة الملك عبدالعزيز تُعيد “تاريخ الطبري” إلى الحياة في معرض الرياض الدولي للكتاب
إنجاز علمي تاريخي يُحيي ذاكرة الأمة ويُثري المكتبة العربية بعشرين مجلداً محققاً

تهاني القحطاني
في مشهد ثقافي مهيب، يزدان به معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، تتجلى جهود دارة الملك عبدالعزيز كمنارة للمعرفة وحارس أمين لذاكرة الأمة، حيث لا تقتصر مشاركتها على عرض كنوزها المعرفية فحسب، بل تمتد لتشكل جسراً يربط الماضي العريق بالحاضر المزدهر، وتفتح آفاقاً جديدة للباحثين والمهتمين بالتاريخ والتراث.
تدشين “تاريخ الطبري”: إنجاز علمي يعيد إحياء أمجاد الأمة
في قلب هذا الحدث الثقافي الكبير، وبرعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، تم تدشين النسخة المحققة من كتاب “تاريخ الملوك وأخبارهم وموالد الرسل وأنبائهم” للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري. هذا الإنجاز العلمي الضخم، الذي يأتي في عشرين مجلداً، هو ثمرة جهد دؤوب قاده المحقق الكبير الدكتور بشار عواد معروف وفريقه، حيث تم جمع وتحقيق أندر المخطوطات من مختلف أنحاء العالم، وتقديم قراءة جديدة ورصينة لهذا السفر التاريخي العظيم الذي كُتب قبل أكثر من ألف عام.
وقد أشاد الدكتور بشار عواد معروف بالدور الريادي لدارة الملك عبدالعزيز في دعم هذا المشروع، مؤكداً أن هذا العمل العلمي يمثل بهجة وفرحاً لكل عشاق تاريخ الأمة، ويقدم لهم خزيناً من أمجادها وتجاربها بحلة جديدة تليق بقيمته العلمية والتاريخية. ولم يقتصر الأمر على التدشين، بل أقيمت ندوة علمية متخصصة بعنوان “الطبري والتاريخ: قراءة معاصرة في كتاب تاريخ الملوك وأخبارهم”، شارك فيها نخبة من كبار المؤرخين والمحققين، مما أثرى الحوار حول أهمية الكتاب ومناهج تحقيقه.
جناح الدارة: تجربة معرفية متكاملة وتفاعل جماهيري لافت
لم تكن مشاركة الدارة في معرض الرياض الدولي للكتاب مجرد عرض للإصدارات، بل كانت تجربة معرفية متكاملة. فقد شهد جناح الدارة إقبالاً جماهيرياً كبيراً، حيث توافد الزوار من مختلف الفئات العمرية للاطلاع على أحدث الإصدارات التي تغطي مجالات متنوعة من التاريخ الوطني، وتاريخ مكة المكرمة والحرمين الشريفين، والتراجم، والدراسات التراثية. وقد تميز الجناح بتصميمه المبتكر الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، حيث وفر ركناً خاصاً للقراءة، وشاشات عرض تعريفية بمشروعات الدارة الرقمية، ومواد مرئية توثق جهودها في حفظ التراث.
وقد عبر الأستاذ تركي بن محمد الشويعر، الرئيس التنفيذي لدارة الملك عبدالعزيز، عن أهمية هذه المشاركة التي تجسد رسالة الدارة في نشر المعرفة وتعزيز حضورها الثقافي، مؤكداً أن جناح الدارة يقدم تجربة معرفية متكاملة تبرز قيمة إصداراتها العلمية كمصادر مرجعية للباحثين، وتسهم في تعريف الجمهور بالتاريخ الوطني العريق للمملكة العربية السعودية.
رؤية مستقبلية: نحو تعزيز الوعي التاريخي والثقافي
إن الجهود التي تبذلها دارة الملك عبدالعزيز في تحقيق ونشر كنوز التراث العربي والإسلامي، ومشاركتها الفاعلة في المحافل الثقافية الكبرى مثل معرض الرياض الدولي للكتاب، لا تقتصر على حفظ الماضي فحسب، بل هي استثمار في المستقبل. فمن خلال هذه المبادرات، تساهم الدارة في بناء جيل واعٍ بتاريخه، فخور بتراثه، وقادر على استلهام العبر من الماضي لبناء مستقبل أكثر إشراقاً. إنها دعوة مفتوحة للجميع، باحثين وقراء، للغوص في أعماق التاريخ، واستكشاف كنوزه التي لا تنضب، والتي تقدمها لنا دارة الملك عبدالعزيز بحلة قشيبة تليق بعظمة هذا الإرث الإنساني الخالد.