جبر الخواطر: ما له وما عليه

 

بقلم د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

جبر الخواطر ليس مجرد خُلق كريم، بل هو جوهر الإنسانية، وركيزة من ركائز الحضارة. قال تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [المائدة: 2]، وفي هذا توجيه إلهي يربط بين التعاون على الخير وجبر النفوس، فكلاهما وجهان لعملة الرحمة والتراحم.

 

جعل الإسلام من جبر الخواطر عبادة يُتقرب بها إلى رب العالمين، ومظهرًا من مظاهر الإيمان الصادق. قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة (رواه مسلم). وفي قصة المرأة التي سقت كلبًا، فغُفر لها، نرى أن اللين والعطف يجبران الكسور الخفية في الأرواح.

في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم دروسٌ لا تُنسى: حين زار المرأة التي كانت تؤذيه بالكلام والقمامة ليطمئن على حالها حين مرضت، وحين عفا عن أهل مكة وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فكان جبر الخواطر عنده فعلًا لا قولًا، يتقدمه التواضع وتغمره الرحمة.

جبر الخواطر لا يحتاج إلى مال كثير ولا إلى جهد كبير، بل إلى قلب حي. نظرة طيبة، كلمة مشجعة، ابتسامة صادقة، كلها جبر للقلوب. فطالبٌ خائف تُهدئ روعه بكلمة، وجار حزين تُشاركه وجبة بسيطة فتُعيد إليه دفء الحياة، ومحتاج يُلبى طلبه دون أن يُسأل.

حتى في عالمنا الرقمي، لا يغيب أثر جبر الخاطر: تعليق إيجابي على منشور حزين، أو مشاركة مقطع يبعث الأمل، قد يكون له أثر بالغ في حياة إنسان لا نعرفه.

ثقافات العالم أكدت هذا المعنى، فجبر الخواطر فطرة إنسانية يشترك فيها البشر جميعًا. ففي الهند يقولون: اليد التي تمسح دمعة تضيء العالم. وفي تركيا: الإنسان يحتاج إلى إنسان. وفي إسبانيا: القلوب المكسورة تصلحها الأيادي الرفيقة.

لكن جبر الخواطر له حدود، فلا يُستغل في التبرير للخطأ أو السكوت عن الظلم، ولا يعني المجاملة على حساب الحق، ولا التنازل عن الكرامة باسم اللين. فكما أن جبر الخواطر فضيلة، فالحكمة في موضعها فضيلة أعظم.

ومن الوسائل العملية لجبر الخواطر:

السؤال عن الغائبين بتواصل صادق.

الاستماع للناس دون إصدار أحكام.

تقديم هدية رمزية تدخل السرور.

مساعدة الضعفاء دون رياء أو انتظار شكر.

مجتمعاتنا اليوم في حاجة إلى من يُداوي القلوب قبل أن يُصلح الأجساد، إلى من ينشر الطمأنينة ويبعث الأمل. فلنكن من هؤلاء، ولنغرس بذور الرحمة في كل طريق نمر به.

 

ونسأل الله تعالى أن يرزقنا قلوبًا لينة، وألسنة طيبة، وأعمالًا خالصة تقربنا إلى رضاه وجنته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى