حين تصبح الطيبة عبئًا: من ينصف القلوب النقيّة؟

نسرين موسى اليحيى

في عالم يتسابق فيه الناس على حماية مصالحهم، والتفنّن في الردود، ورفع الحواجز العاطفية، تبرز الطيبة كصفة استثنائية، لكنها – للأسف – غالبًا ما تُساء قراءتها. يُنظر أحيانًا إلى الطيب على أنه ساذج، أو ضعيف، أو سهل الانقياد، ويُتوقع منه أن “يتحمّل” و”يتغاضى” و”يُسامح” مهما حدث. وهنا يتحول جمال الطيبة إلى عبء ثقيل لا يراه إلا صاحب القلب النقي.

الطيبة ليست ضعفًا

الطيبة لا تعني الاستسلام، ولا الجهل، ولا الضعف. إنما تعني اختيار السلام رغم القدرة على المواجهة، وتعني النية البيضاء في زمن كثر فيه سوء الظن.
لكن المشكلة لا تكمن في الطيبة نفسها، بل في الطريقة التي يتعامل بها الآخرون معها. فالقلوب الطيّبة تُختبر دائمًا، وكأن الصبر عندها لا حدّ له، وكأن كرامتها مرنة أكثر من اللازم. وهنا يبدأ الإنهاك العاطفي، حيث يُطلب من الطيّب أن “يتفهم”، بينما لا يُبذل جهد في فهمه.

عندما تتحول الطيبة إلى واجب

مع الوقت، يبدأ الناس في توقّع ردات فعل معيّنة من الشخص الطيب، كأن لا يغضب، ولا يرفض، ولا يقول “لا”. ويُصبح من الصعب عليه الخروج من هذا القالب، حتى لو شعر بالألم أو الانهاك. لأنه بمجرد أن يضع حدوده، يبدأ الآخرون في التذمّر:

“تغيرتِ… ما عدتِ مثل أول!” “صرتِ قاسية!” وهم لا يدركون أن الصمت الطويل لم يكن رضا، بل احتمالًا مريرًا.

من يُنصف القلوب النقيّة؟

السؤال المؤلم هنا: من ينصف هذه القلوب؟ من يعيد لها حقّها في الغضب، في الحزن، في قول “كفى” دون أن تُتّهم بالجفاء؟
الإنصاف لا يأتي من الخارج فقط، بل يبدأ من الداخل. على الشخص الطيّب أن يُدرك أنه يستحق الاحترام كما يمنحه، وأن “التقدير” لا يجب أن يكون نتيجة لصراخ، بل تقديرًا للصمت الذي تحمّل.
الإنصاف الحقيقي يأتي عندما نمنح الطيبين مساحتهم الكاملة ليكونوا بشرًا، لا ملائكة على هيئة بشر.

طيبة القلب قوة… لكن..

كونك طيبًا لا يعني أن تتحمّل كل شيء. لا يعني أن تُقبل كل الأعذار، أو أن تستنزف ذاتك لترضي من لا يرى فيك إلا وسيلة للراحة.
القلوب النقية تستحق أن تُحمى، وأن تُفهَم، وأن تُصان كما تُصون الآخرين.

في النهاية، لا تتخلَّ عن طيبتك، بل أضف لها وعيًا، وحدودًا، وحزمًا ناعمًا.
كن طيبًا… ولكن لا تسمح لأحد أن يجعل من طيبتك عبئًا.
فالقلوب النقية ليست نادرة فحسب، بل ثمينة… ولا يجب أن تُرهق في سبيل من لا يراها..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com