دين في عنق الضمير

بقلم الدكتور :
رشيد بن عبدالعزيز الحمد
في حياة الناس مواقف تختبر الصدق أكثر مما تختبر الذكاء، وتزن الضمير قبل أن تزن الرصيد.
كم هو مؤلم أن يتحوّل الوفاء إلى صفحة من الماضي، وأن يصبح الحق موضع جدلٍ بين شركاء الأمس وأصدقاء الأمس.
أحد ملاك الشركات العائلية وجد نفسه أمام امتحانٍ عسير، حين اختلف مع مديرٍ عامٍ خدمه بإخلاص، وكان بالأمس القريب ذراعه اليمنى في العمل.
لكن لحظة الخلاف كشفت ما كان خافيًا، فإذا به يجحد حق زميله ويحرمَه من مستحقاته التي تجاوزت ثلاثمائة ألف ريال، متذرعًا بتأويلٍ لا يسنده منطق ولا يبرّره ضمير.
أي نفسٍ تلك التي ترضى أن تُحلّل المال لأولادها وورثتها وهي تعلم أنه مالٌ أخذ بغير وجه حق؟
وأي راحةٍ تُرجى في رزقٍ نُزعت منه البركة؟
إنها مأساة حين يُصبح المال حاكمًا على الأخلاق، وحين يختار البعض طريق المكابرة بدل طريق المراجعة والاعتذار.
الصدمة الأكبر لم تكن في الموقف ذاته، بل في صمت المحيطين به، حين آثروا الحياد على النصح، وتوارى حتى الأخ الكبير — عميد العائلة — عن الإصلاح بحجة أنه “لا يتدخل”.
وكأن الشفاعة في الحق أصبحت ضعفًا، وكأن نصرة المظلوم تُحسب جريمة!
إن الضمير هو صوت الله في داخل الإنسان، ومن كتم صوته اليوم، سيسمع صداه غدًا حيث لا ينفع الندم ولا المال.
المال يذهب ويأتي، أما الكرامة والأمانة فهما رأس المال الحقيقي الذي لا يُشترى ولا يُورث.
فيا من ظن أن الموقف يطوى بالنسيان، تذكّر أن الدين في عنق الضمير لا يسقط بالتقادم.



