زفاف الحربي… حين تُبشّرنا الكفيفة بأن النور من الداخل

 

✍️ بقلم: بشائر الحمراني

في زمنٍ تتعالى فيه الأصوات بحثًا عن النجاح، جاءت الكاتبة زفاف الحربي بصمتها المضيء، لتقدّم للقارئ كتابًا استثنائيًا يحمل عنوانًا قرآنيًا عميقًا: «فبشرناها».

عنوان لا يوحي فقط بفرحٍ قادم، بل بـ تحوّل داخلي، نابع من الألم، مكلّل بالإيمان، ومكتوب بنبض امرأة كفيفة… رأت العالم ببصيرتها، قبل أن تراه بعينها.

صدر الكتاب عن دار تكوين العالمية، ويقع في نحو 182 صفحة، ويندرج ضمن تصنيف “السيرة الذاتية والتأملات الإنسانية”. لكنه لا يشبه السِّيَر التقليدية… بل يشبه البوح حين يُكتب بالحواس كلها ما عدا البصر.

قصة امرأة… لا تعرف الهزيمة

زفاف الحربي لم تكتب لتُثير الشفقة، بل لتُعيد تعريف القوة.

عاشت الكاتبة تجربة الكف البصري منذ الصغر، لكن رحلتها لم تكن مظلمة أبدًا. درست، وعملت، وأصبحت أمًا، وكاتبة، وسيدة حضور.

جاء كتابها ليروي هذه الرحلة بلغة شعرية تأملية لا تخلو من العذوبة. صفحات الكتاب تتنقّل بين الطفولة، الأمومة، الحلم، الألم، الإيمان، والانتصار الداخلي، بطريقة صادقة، وبلغة نقية تُشبه النور الذي يخرج من مكانٍ لم يره أحد… إلا قلبها.

بين السطور: فلسفة الرجاء والإرادة

لا يعتمد “فبشرناها” على الحكايات الكبرى، بل يلتقط اللحظات الصغيرة التي تشكّل ملامح الإنسان.

تقول الكاتبة في أحد نصوصها:

“أنا لم أكن أرى الطريق، لكني كنت أعرفه. كنت أمشيه باليقين، لا بالبصر.”

الكتاب لا يخاطب ذوي الإعاقة فقط، بل يخص كل من عرف طعم الانطفاء، وقرر أن يشعل من روحه شمعة.

رسالة تمكين.. من الداخل

ما يجعل هذا الكتاب مختلفًا هو أنه لم يُكتب من برج عاجي، بل من عمق تجربة عادية في مظهرها… عظيمة في جوهرها.

زفاف الحربي تمثّل اليوم صوتًا مهمًا في الأدب النسوي والإنساني السعودي، فهي تمكّن القارئ لا بالخطب، بل بالشواهد.

الأدب كيد تمتد في العتمة

“فبشرناها” هو أكثر من كتاب…

إنه يد تمتد لكل من ظنّ أن الضوء بعيد.

إنه دعوة لنتأمل: ما الذي يجعل الإنسان حيًا؟ هل هو البصر؟ أم البصيرة؟

هل هي القدرة؟ أم الرغبة في أن نخلق من ضعفنا سببًا للانبعاث؟

ختامًا…

إذا كانت الروايات تصنع أبطالًا من خيال، فإن هذا الكتاب يصنع بطلًا من واقع.

زفاف الحربي، في كتابها الأول، تُبرهن أن الحكايات التي تُكتَب بصدق… لا تحتاج إلى عينين لترى، بل إلى قلب يُبصِر.

“فبشرناها” ليس فقط اسمًا لكتاب، بل بشارة لكل من أُطفئت أنواره يومًا، بأن النور… يبدأ من الداخل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com