عاقبة كلما تأخرت كبرت .. فالله لاينسى

بقلم الإعلامي: – صالح المحجم
ياصاحب المنصب احذر عقوبة الله واحذر أن تترك خلفك أحدهم يردد في كل مواضع إجابة الدعاء (حسبي الله ونعم الوكيل)..

كان لي صديق صاحب منصب مرموق ، وعند تقلده ذلك المنصب تكبر وتجبر وكان يعتقد أن الحياه ستبقى له كما هي ولن يتغير فيها شئ ونسي الموت ،ولم يبالي حتى لدعوة أي أحد ظلمه ،ولم يبالي لقول حسبي الله ونعم الوكيل من الذين ظلمهم ، تقمص دور فرعون ولم يبقى عليه من دوره سوى أن يقول أنا ربكم الأعلى ،وبعد تقاعده أصيب بمرض السرطان وبدأ ينهش في جسده وبدأ يراجع نفسه قبل موته بأسبوع ويطلب السماح من الزملاء الذين ظلمهم وأنا منهم ولم أستطع مسامحته وتذكرت مقولة (أليس العفو مقروناً بالمقدرة).
فعندما لا أعفو هذا لا يعني أن قلبي أسود، قد يكون الخطأ حرق طيبتي وفاق قدرتي على العفو، أليس العفو مقرونآ بالمقدرة…؟؟
ولكن الجرح والضرر الذي سببه لي ذلك الرجل مازلت فيه وفي ضيق من العيش بسببه وذلك حتى بعد موته .
وللأسف يأتي الرجل ويتقلد المنصب ولا يعلم أن قيادة الرجال صعبة، ويأتي بعض المتملقين والذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية ويضعون كرامتهم تحت أقدامهم يبجلون ذلك الشخص بل ومنهم من يكون حاجباً على باب ذلك المسؤول ويخلقون منه فرعون لهذا الزمن .

وهو في بداية توليه المنصب كان بسيط جدا ، هذه النماذج من البشر يذكروني بفرعون وهامان،كان فرعون شخص عادي مثل أي زعيم وهامان ذكي جداً وكلما وقع فرعون في مصيبه يخرجه منها هامان ..

يقال : في أحد الأيام جاءت عجوز تريد من فرعون إحياء عنزتها الميتة لأن فرعون كان يدعي أنه إله ويحيي ويميت .. هامان أعطاها عنزة بدلاً عن عنزتها التي ماتت متحججاً أن فرعون مشغول الآن بخلق الإبل.

في نهاية اليوم سأل فرعون هامان عن يومه وأخبره بقصة العجوز التي جاءت تطلب إحياء عنزتها الميتة ففزع فرعون.. قال له هامان إطمئن فقد أعطيتها عنزة وقلت لها أنك خلال هذه الفترة كنت تخلق الإبل ، هنا قال فرعون : آه لو تعلم يا هامان كم هو صعب خلق الإبل .. وهنا قال هامان مقولته المشهورة ، (على هامان يا فرعون؟!).

إن الذين يدورون حول صاحب المنصب والجاه والمال، تملقًا ورياءً ومنفعة، لا يبتغون صاحب المنصب والجاه والمال، إنما يبتغون الانتفاع من منصبه وجاهه وماله، منافقون جبلوا على النفاق، وهم أول من ينفض من حوله، ويخذله حين تدور به الدنيا وتدبر، وحين يفقد المنصب والجاه والمال، بعد أن كانوا يمدحونه، ويجعلونه من العباقرة الأفذاذ، والجهابذة الكبار، ويضعونه في المراتب العليا شأنًا وحضورًا، ويقدمون له قصائد المدح، وعبارات الثناء،ويلوثون فطرته السليمة، ويفسدون حكمته البليغة، ويوقعونه في فخاخ الأنا، ومستنقعات الذات والكبر، حتى جعلوه مفتوناً بنفسه وجاهه وماله، يهتز طربًا وينتشي لحنًا عند أقل كلمة مدح وثناء وتمجيد، ودون تفعيل للوعي والإدراك والحكمة.

إن المنصب والجاه والمال، لا تدوم على حال، مهما طال الوقت، لذا فإن النفس الكبيرة لا تعبأ لهؤلاء الذين يدورون حوله كالذباب، وصاحب النبل والعقل والشهامة لا يقبل القول الخطأ، ولا يستمع لأطروحات السفهاء، ولا إلى مديح المنتفعين، إن وازعه الديني، وعقله وفكره وبصره وبصيرته، هي التي تجعله يرفض الاجترارات الوهمية، ولا يقبل اختلال موازين الطرح والقول، ويميز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والميل والاعتدال.

إن معرفة النفس والثقة بها تزرع الواقع النقي، والتمسك بأهداب الواقع يدفع باتجاه الاستقامة والسلامة، إن صاحب المقام الرفيع، والمكانة المتميزة، يمشي بين الناس بثقة مطلقة دون أن يغتر بكلام النفعيين، أو يستسلم لقيودهم والأغلال، لا تستعبده الأهواء، ولا يستعبده نفوذه ، ولن تأسره مدح الباطل.

إن أصحاب الثقة بالنفس، والواثقون بالذات، لا يكترثون كثيرًا بعبارات الثناء الباهتة، ولا يسمعون لها، لأنهم لا يريدون أن يصابوا بداء العظمه والكبرياء، وشتان بين من يعيش للعطاء بكل ما أوتي من طاقة في خدمة مجتمعه ووطنه، وبين من يعيش مستمعًا فقط للمدح والتصفيق والإشادة العمياء والإطراء .

هنا تذكرت أحد أقاربي تقلد منصباً بالعلاقات وكان فارغاً تماماً في ذلك المنصب ،كان أول قرار له يتخذه أن يعتزل أقاربه وأصدقائه القدامى حيث أطلق على نفسه أنا الآن من أصحاب الطبقة المخملية وكل من كان في حياتي من أقارب وأصدقاء يعتبرون من الطبقة الكادحة ،وأصبح على ذلك الوضع حتى تم تقاعده، هنا بدأ يبحث عن من تركهم وهو على المنصب وبدأ يكثر الزيارات لهم في محاولة منه لإصلاح ما فعله سابقاً في هجرانهم كان يبحث على موقع المسؤولية بكل الطرق حتى لو خسر من ماله، هنا تذكرت نهي الرسول صل الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن سمرة فقال عن ذلك لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها.

يقال إن المناصب لا تصنع الرجال (أو النساء) ممن يعتلون كراسيها. والناس بطبعهم يحبون دائما رؤية الشخص المناسب في المكان المناسب. والخشية هي أن تسند الأمور إلى غير أهلها. ساعتها يجري تذكر حديث رسول الله صل الله عليه وسلم

(إذا وُسِّدَ الأَمر لغير أهله فانتظروا الساعة).

إذن لا بد من الشخص المناسب في المكان المناسب، وإذا أسند منصب لمن لا يتقن إدارته وتسييره فالنتيجة الوشيكة ستكون خرابا، والمسؤول الناجح المناسب هو من يزدان المنصب به ويتطور بفضل حنكته نحو الأحسن والأجود ، وهو أيضا من لا يغيره المنصب ولا الكرسي ولا يبحث عن فلاشات المتملقين والمتسلقين، بل يظل محافظا على تواضعه وعلى معدنه الأصيل.

قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (ما من رجل يولّى أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولا يوم القيامة يده إلى عنقه فكه بره أو أوثقه إثمه، أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة).

في الختام

لا تكن سبباً في قهر أحدا وأنت في منصبك ، فيظل ذلك المظلوم طوال عمره كلما أتت سيرتك أو تذكرك يردد حسبي الله ونعم الوكيل.
استشعر فقط جملة…. حسبي الله ونعم الوكيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى