و يُهمّش النور

بقلم الكاتبة والمؤلفة : نورة السالم
في كل صباح، حين تُفتح أبواب المدارس، تدخل المعلمة أولًا، لا تحمل فقط حقيبتها، بل تحمل معها حلمًا، ورسالة، وشغفًا لا يُقاس. تُدرّس، تُربّي، تُلهم، وتُقاوم. لكنها حين تفتح ظرف راتبها، تُصدم بواقع لا يُشبه رسالتها، ولا يُنصف تعبها، ولا يُقدّر عطائها.
نحن نُردد دائمًا أن التعليم هو اللبنة الأولى لبناء المستقبل، وأن المعلم هو من يُشعل شمعة التغيير في عتمة الجهل. لكن ما جدوى هذا القول إن لم يُترجم إلى فعل؟ كيف نُطالب المعلمات ببناء أجيال واعدة، بينما نُكافئهن برواتب لا تكاد تُغطي احتياجاتهن الأساسية؟ أليس هذا تناقضًا صارخًا بين ما نُردده وما نُمارسه؟ المعلمة في المدرسة الخاصة لا تُدرّس فقط، بل تُكابد ضغوطًا تعليمية، وتُواجه تحديات تربوية، وتُحارب في جبهات متعددة: بين المنهج، والطالب، والإدارة، وأحيانًا أولياء الأمور. ومع ذلك، تُمنح راتبًا لا يُعادل حتى جزءًا من جهدها.
وكأن الرسالة التي تحملها لا تستحق التقدير المادي، وكأن العطاء يجب أن يكون مجانيًا، بلا مقابل، بلا امتنان. إن الاستثمار الحقيقي لا يبدأ من المباني الفاخرة، ولا من الإعلانات البراقة، بل يبدأ من الإنسان. من المعلمة. رفع الرواتب ليس ترفًا، بل ضرورة. هو اعتراف بقيمة من يُشكّل الإنسان. هو ثناء على من تُعلّم الطفل كيف يكتب اسمه، ويقرأ حلمه، ويُفكّر في غده.
المعلمة ليست موظفة عابرة، بل صانعة مستقبل. حين تُكرّم الشركات موظفيها في نهاية العام، تُمنح الجوائز لمن حقق أرباحًا، أو أدار مشروعًا ناجحًا. لكن ماذا عن المعلمة التي صنعت إنسانًا؟ التي غيّرت تفكير طفل؟ التي زرعت بذرة الفضيلة في قلب صغير؟ أليست هي الأجدر بالتكريم؟ أليس راتبها هو أول اعتراف بقيمتها؟
نحن لا نطالب بالكثير، بل بالعدل. لا نطلب امتيازات، بل إنصافًا. فالمعلمة ليست مجرد موظفة، بل هي اللبنة الأولى في بناء وطنٍ يُحسن التفكير، ويُتقن الحلم، ويُجيد الحياة.
ومن هنا أتمنى من جميع الشركات التعليمية زيادة الرواتب تقديرًا للجهود المبذولة في سبيل التعليم.