آدم تحت المجهر

✍️ هيا الدوسري
بين شعور الحاجة والعاطفة ، كان آدم أول الخلق، يمشي في جنات النعيم، تحيط به الملائكة ويصافحه النور ، لكنه كان وحيدًا. يبحث عن ألأنس ولم تكتمل سعادته إلا حين منحه الله الهدية الأجمل: حواء.
جاءت من ضلعه، لا لتكون كمالًا عابرًا، بل لتسكنه، ولتجعله إنسانًا يعرف معنى المشاركة والمسؤولية.
حواء لم تكن ضلعًا أعوج بقدر ما كانت استقامة آدم من وحدته.
فيها اكتمل النصف، وبها وُلدت الثنائية التي عليها قام الوجود؛ رجل يحتاج وامرأة تمنح، قلب يبحث ويد تحتضن، عين ترى وروح تُبصر.
الحب والزواج
الرجل، في طبيعته، مسافر أبدي. يفتنه الجمال، ويعجبه الذكاء، لكن ما يربطه حقًا ليس ملامح الوجه ولا بريق العقل، بل الطمأنينة التي تسكنه حين يجد امرأة تُشبه وطنًا صغيرًا.
والمرأة الذكية؛ تدرك هذا السر؛ أنها إن ظلت على هيئة واحدة خبا بريقها في عينيه، وإن تجددت، أضاءت أمامه كأنه يراها أول مرة.
ولذلك كان الجمال الحقيقي هو أن تفاجئه بوجه جديد من ذاتها، لا بزينة العيون فقط، بل بجاذبية الحضور، وبسحر الروح حين تعيد اختراع نفسها في كل لقاء.
التعدد بين الغريزة والعدل
الرجل ميّال بفطرته إلى التعدد، لكنها غريزة تحتاج إلى ميزان العدل. فالتعدد قد يكون رحمة، وقد يكون خرابًا؛ رحمة حين يكون بدافع العفة وصيانة النفس، وخرابًا حين يكون نزوة أو تفاخرًا أو هروبًا من الملل.
الزواج ليس للتجربة، بل للعهد.
من يتزوج ليكسر روتينًا أو يملأ فراغًا، ظلم نفسه وظلم نساءه. ومن يتزوج وهو لا يملك قدرة على العدل، فكأنما كسر ضلعه بيده.
حكمة الغريزة وسر الوفاء
المرأة تحمل في قلبها ذاكرة وفاء لا تمحوها الأيام، أما الرجل فيحمل في قلبه غريزة تبحث عن الجديد. لكن سر الحكمة أن الغريزة لا تُلغى، بل تُهذَّب.
فكما كان آدم بحاجة إلى حواء، يبقى كل رجل في داخله طفلًا كبيرًا يبحث عن صدر يأويه، وسكن يطمئنه، وقلب يُعيده إلى ذاته.
حواء لم تكن زينة، بل كانت حياة. لم تكن ظلًا، بل كانت الضوء الذي كشف لآدم معنى أن يعيش.
فلا رجل يقوم بغير امرأة، ولا امرأة تكتمل بغير رجل. وفي هذا التكامل سر البقاء، وسر الحكاية منذ أول نبض في قلب آدم.
سلاح المرأة
كل امرأة تحمل في قلبها خريطة معقدة، مليئة بالطرق المخفية والبوابات السرية، وسلاحها الأزلِيّ ليس الحب، ولا الجمال، ولا الفتنة..بل الذكاء الغامض الذي يربطها بعالم شريكها دون أن يشعر.
إنها القدرة على البقاء، على السيطرة الرقيقة التي تمنح نفسها من خلالها الأمان والاستقرار، ليس فقط لحماية قلبها، بل لحماية بيتها وأطفالها وروحها من الانهيار.
بعض النساء يستخدمن هذا السلاح بلا وعي، كموضة تتبعها المثقفات والجاهلات، ليفرضن سيطرتهن على الرجل، وكأن العالم كله لعبة يمكن تقليبها بين أصابعهن.
لكن هناك فرق كبير بين السلاح الذي يبني علاقة والسلاح الذي يهدمها.
السحر والخداع والغدر أدوات الشيطان التي دخلت حياة الإنسان منذ آدم وحواء، لتفرق بين الزوجين، ولتزرع الحسد والغيرة في القلوب.
الخيانة، كما تقول الحكايات القديمة، من أقوى أسلحة إبليس. إنها الغول الذي يتربص، والعنقاء المستحيلة التي تهدد الحب الحقيقي. فالزواج الذي يفقد أساسه: الصدق، والعدل، والمصارحة، يصبح مسرحًا للتمثيل والخداع، حيث يلعب كل طرف دورًا لا يحبه في الحقيقة، ويتبع غرائزه على حساب ضميره.
المرأة التي تغار بلا حب، وتفرض سيطرتها على من لا تحبه، تصبح أداة لنفسها وللشر، وسلاحها يتحول من حماية إلى تدمير.
أما المرأة التي تعرف كيف تستخدم سلاحها للوفاء، للذكاء، للرحمة… فتصبح أكثر حكمة في العلاقة، والروح التي تهدي الرجل إلى ذاته، وتجعل منه شريكًا حقيقيًا لا مجرد ظل أو لعبة.
في النهاية، سر العلاقة الناجحة ليس في القوة، ولا في السيطرة، ولا في الغيرة بل في الفهم العميق للطرف الآخر، والتوازن بين الغريزة والضمير، والقدرة على الحفاظ على الحب بدون استعباد أو تلاعب.
سلاح المرأة الفتاك الحقيقي هو الحكمة التي تحمي قلبها، بيتها، وحبها من الانهيار.
الخيانة عند المرأة والرجل
مهما كان من فعل إبليس في محاولة التفريق بين الشريكين، تبقى خيانة المرأة إراديّة، بمحض اختيارها.
حبُّ المرأة للرجل الذي تريده حقًا يهزم إبليس ولا يمكن أن يغيّر قناعاتها.
أما إذا كان الرجل بلا قيمة عاطفية عندها، تصبح عرضة لتزيين الشيطان؛ تسمح لرجل آخر أن يدخل حياتها ليُرضي غرورها ويُغطي النقص الذي تراه في شريكها، وهذا غالبًا نتيجة البعد عن الله وموت الضمير أو ظلم الزوج وإهماله .
أما الرجل ؛ فطبيعته عدم الوفاء لمرأة واحدة..
طبيعته الفسيولوجية والعاطفية تجعله أكثر ضعفًا أمام الإغراءات الخارجية.
حتى لو أحب زوجته، يظل عرضة للزلل، فيقع ثم يندم ويحاول ألّا يعود.
مهما كان اهتمام الزوجة بنفسها أو به، يبقى ضعيفًا أمام الإغراءات التي يزينها له الشيطان، حتى ولو كان تقيًا.
مثلاً ؛ في قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز ؛
قال تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ…)
فلولا أن الله عصمه لوقع في الفتنة.
لهذا شرع الإسلام للرجل التعدد حفاظاً له من الوقوع في المحظور .
وراء كل امرأة عظيمة رجل ؛ نصيحتي لحواء ..
إن فكرتي بالحب ،فلا تتعلقي بمن يريدك ويعجب بك لمنصب أو مال، ولكن ثقي بمن يهتم بك من الصفر فيجعل منكِ ملكة .
آدم وحواء
ومهما كان من صراع وخلاف بين آدم وحواء، فلن يستغني أحدهما عن الآخر.
سيظل آدم يبحث عن حواء، وحواء تنتظر آدم.
ستبقى حواء الأم والأخت والابنة والزوجة، وسيبقى آدم الأب والشريك والأخ والابن البار.
وتبقى حواء تنتظر آدم ليبحرا معاً في سفينة الحياة و طريق العودة إلى الجنة .