الأرمله المرضعة .. القصة والقصيدة التي كتبت بدموع الرصافي..!
اقتياسات: عبد العزيز عطية العنزي
تعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة .
الأرمله المرضعه – للشاعر العراقي/ “معروف الرصافي ”
كان الشاعر العراقي “معروف الرصافي ” جالساً في دكان صديقه الكائن أمام جامع الحيدر ببغداد
و بينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث ، وإذا بإمرأة محجبة يوحي منظرها العام بإنها فقيرة و كانت تحمل صحناً وطلبت بالاشارة من صاحبه ان يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن
ولكن صاحب الدكان خرج اليها وحدثها همساً ، فانصرفت المرأة الفقيرة
فاستفسر الرصافي من صديقه عن هذه المرأة
فقال له صاحبه :
إنها أرملة تعيل يتميين وهم الآن جياع وتريد أن ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما الخبز ، فما كان من الرصافي إلا أن يلحق بها ويعطيها اثني عشر قرشاً كان كل ما يملكه الرصافي في جيبه ، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء و سلمت الصحن للرصافي و هي تقول : الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن ، فرفض الرصافي و غادرها عائداً الى دكان صديقه و قلبه يعتصر من الألم …
وتعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة ، بل إن من روعتها نال درجة الدكتوراه بها طالب فرنسي في جامعة الزيتونة بتونس ، وترجمت قصيدته الى اللغة الفرنسية والانجليزية لتعدد الصور الوصفية المؤثرة في نفوس النبلاء
لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا
تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ
وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا
وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا
فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا
المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا
وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا
فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا
وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا
كَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَـا
فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَـا
وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا
حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا
تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَـا
كَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَاهَـا
حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً
كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا
تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا
حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا
قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْـدَامٍ مُمَزَّقَـةٍ
في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا
مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَا
تَشْكُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَـا
تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ
هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَـا
مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا
إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَـا
يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ
كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَـا
مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاكِيَةٌ
وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْكِي لِمَبْكَاهَـا
يَكَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَـا
تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَـا
وَيْلُمِّهَا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُرَوَّعَـةً
وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَـا
تَبْكِي لِتَشْكُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَـا
وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا كُنْهَ شَكْوَاهَـا
قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَـا
وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَـا
وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَهـا
بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَـاً مِنْهُمَا آهَـا
كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَـدَةً
وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَـا
هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُـهُ
مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَـا
حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَـا وَهْيَ مَاشِيَـةٌ
وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَـا
وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ
أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَـا