الاتجار بالأشخاص … جريمة لا تُغتفر وعار لا يُمحى


بقلم: د. وسيلة محمود الحلبي

الإنسان ليس سلعة. ليس رقمًا في قائمة مبيعات. ليس جسدًا يُستغل، ولا طاقة تُستنزف، ولا قطعة تُباع وتُشترى. الإنسان كرامة. الإنسان حرية. الإنسان حقٌّ مقدس.
ومع ذلك، يقف العالم اليوم – بكل تطوره ومؤسساته وقوانينه – عاجزًا في كثير من الأحيان أمام جريمة بشعة تُمارس في الظل، اسمها: الاتجار بالأشخاص.
جريمة لا تعرف الرحمة، ولا تفرق بين طفل وامرأة، بين فقير ومُهاجر، بين نازح ويائس. جريمة تُرتكب في صمت، ويذهب ضحاياها – في الغالب – دون صوت، دون دفاع، دون عدالة.

إنها جريمة العصر…
جريمة تنتهك كرامة الإنسان، وتمتهن آدميته، وتُعيدنا إلى زمن العبودية بأقسى صوره، ولكن بوجوه حديثة: عمل قسري، استغلال جنسي، تجنيد أطفال، تهريب أعضاء بشرية، تشغيل بالإكراه، واستعباد بغطاء من الحاجة أو الخداع.

الجريمة التي لا تسقط بالتقادم!
الاتجار بالبشر ليس فقط جريمة قانونية، بل هو جريمة أخلاقية عظمى، ووصمة في جبين الإنسانية. إنها تمزيق للنسيج الإنساني، وانحدار مريع في سلم القيم، وامتهان صارخ للكرامة التي منحها الله للإنسان. وقد جاء الإسلام قبل أكثر من 1400 عام ليضع حدًّا لكل أشكال العبودية، ويعلن:
“ولقد كرمنا بني آدم” – فكيف بمن يُعيد استعباده؟!

السعودية… نموذج رائد في مواجهة الظاهرة
في هذا المشهد المؤلم، تبرز المملكة العربية السعودية كدولة حازمة وشجاعة في مواجهة هذه الجريمة النكراء، متسلحة بتعاليم الشريعة الإسلامية، ومبادئ العدالة، وبأطر قانونية صارمة ترفض أي انتهاك لكرامة الإنسان.
ومن أبرز جهود المملكة العربية السعودية:
إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، والتي تعمل بتكامل مؤسسي على رصد الظاهرة، والتصدي لها، وتقديم الحماية للضحايا.
وسنّ نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص (2009)، والذي يتضمن عقوبات صارمة تصل إلى السجن 15 عامًا وغرامات مالية ضخمة.
وتنفيذ حملات توعوية على مستوى الإعلام والمنظمات، لرفع وعي المجتمع بمخاطر الجريمة وكيفية الإبلاغ عنها.
وتأهيل وتدريب الجهات الأمنية والقضائية والطبية والاجتماعية لرصد الحالات والتعامل معها بإنسانية وعدالة.
ودعم الضحايا نفسيًا وقانونيًا وصحيًا، وتوفير مأوى وخدمات شاملة لهم، انطلاقًا من مبدأ أن الضحية لا تُعاقب.
ولم تتوقف جهود السعودية عند الداخل، بل امتدت دوليًا عبر التعاون مع المنظمات الأممية والإقليمية، ومشاركتها الفاعلة في المؤتمرات، والتزامها بالاتفاقيات الدولية لمحاربة هذه الجريمة.

لنصرة الإنسان… كلنا مسؤولون
جريمة الاتجار بالأشخاص لا تُحارب بالأنظمة فقط، بل بالوعي، بالضمير، بالتربية، بالرقابة، وبالمجتمع المدني. نحن جميعًا معنيون بالتصدي لها: أسر، مدارس، إعلام، جمعيات، مؤسسات. خاصة الجمعيات التي ترعى الفئات الهشّة، كالأيتام وذوي الظروف الخاصة، فهم أكثر من يُستهدف بهذه الجريمة.
فلتكن أصواتنا أعلى من صمت الضحايا.
ولنُشرّع أقلامنا، ومواقفنا، وقلوبنا، في وجه كل مستغِلٍّ ومتاجِرٍ ومجرم.
ولنُعلِنها مدوية: الاتجار بالبشر جريمة لا تُغتفر… ولن تمر دون حساب.

*سفيرة الإعلام العربي
*سفيرة السلام العالمي
*عضو العديد من اتحادات الكتاب والملتقيات
*كاتبة / ومسؤولة الإعلام بجمعية كيان للأيتام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com