التطوع في خدمة ضيوف الرحمن: رسالة إنسانية باحترافية

بقلم / أحمد محمد السعدي
مدير إدارة خدمة المجتمع والعمل التطوعي بجامعة شقراء
يُعد التطوع في خدمة ضيوف الرحمن من أسمى الأعمال الإنسانية والدينية، حيث يجسد معاني الأخوة والتكافل، ويسهم في تقديم تجربة روحانية مريحة للحجاج والمعتمرين. يعتمد نجاح هذه الخدمة على الاحترافية في التنظيم والتطوع، مما يجعلها أكثر من مجرد عمل خيري، بل رسالة إنسانية تترك أثراً إيجابياً في نفوس الضيوف.
و تهدف الأعمال التطوعية إلى تعزيز مفهوم شرف خدمة ضيوف الرحمن لدى المتطوعين وتساهم الجامعات بشكل كبير في خدمة ضيوف الرحمن من خلال عدة طرق، منها: تشجيع الطلاب على التطوع في ميادين الحج، وتنظيم فعاليات توعية بأهمية خدمة الحجاج، بالإضافة إلى توفير المنح الدراسية والبرامج التدريبية التي تهدف إلى تمكين الطلاب من المشاركة بفعالية في خدمة الحجاج .
وتحظى المملكة العربية السعودية بشرف خدمة الحرمين الشريفين وضيوفهما، حيث تستقبل الملايين سنويًّا من جميع أنحاء العالم، إلى جانب المواطنين والمقيمين في المملكة، لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة بيسر وسهولة. لتطوع في خدمة ضيوف الرحمن من أنبل الأعمال الصالحة التي تحمل في طياتها الأجر العظيم والثواب الكبير عند الله تعالى.
فهي ليست مجرد خدمة بدنية، بل هي عبادة وطاعة لله، وفرصة لتقديم العطاء والتضحية إرضاءً لله، كما أنها مشاركة وطنية تتجلى في خدمة ضيوف بيته الحرام. بفضل الله ثم بفضل القيادة الحكيمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، -حفظهما الله-، تقوم حكومتنا الرشيدة بجهود جبارة لضمان توفير أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين. تسخر الحكومة جميع الإمكانات لخدمة ضيوف الرحمن لضمان راحتهم وتأديتهم لشعائر الحج بكل سهولة ويسر.
تستقبل المملكة العربية السعودية الملايين في مكان واحد، ويتم تأمين تفويجهم بسلاسة ويسر، ما جعل كثيراً من دول العالم المتطور تشيد بهذه القدرة المهنية في السيطرة والتفويج لجموع الملايين في مساحة وزمن محددين. ومن ضمن هذه الجهود، يأتي دور التطوع الذي يعزز من جودة الخدمات المقدمة ويسهم في تعزيز الروح الوطنية والانتماء للوطن.
لذلك إن الأجر ليتضاعف بخدمة هؤلاء الكرام، فهم من عيال الله، وهم حجاج بيت الله، وخدمتهم حاصلة في أيام معظمة، وبلد معظم، فهذه مضاعفات فوق مضاعفات..
وما أعظم سعادة القلب حين تعين حاجًا ولو بأبسط الأمور، تروي عطشه، أو تعينه في حمل متاعه، أو تدله على مقصده، أو توصله إلى مكانه، أو تبتسم في وجهه فتدخل إلى نفسه الراحة والبهجة، أو تتلطف معه في المعاملة والكلام.. ومع أن كل ذلك من الأمور البسيطة إلاّ أنها ثقيلة عظيمة عند الله سبحانه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا؛ ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرًا».
إن ديننا الحنيف علّمنا أن الجزاء من جنس العمل، فإن أكرمت ضيف الله أكرمك الله، وإن أسعدت ضيف الله الله أسعدك الله، وإن أعنت ضيف الله أعانك الله.. فإذًا خدمة هؤلاء الحجيج فرصة عظيمة للتقرّب إلى الله تعالى، وخدمتهم وسيلة إلى استجلاب رحمات الله وكرمه ومحبته، ألا ترى أنك إذا أكرمت ضيوف ملك من الملوك استحققت بذلك قربه ورضاه؟ فكيف إذا أكرمنا ضيوف ملك الملوك جل جلاله؟! إذًا فنحن نتعامل مع الله، ونتقرب إليه، ونستجلب رضاه من خلال خدمة وفده وحجاج بيته، فلنتخذ خدمتنا لهم طاعة لله، ولنستشعر في ذلك معنى التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
– التطوع يعزز قيم التعاون والإيثار، ويسهم في بناء مجتمع متكافل.
– يساعد المتطوعون في توفير الراحة والأمان لضيوف الرحمن، مما يجعل رحلتهم أكثر سلاسة وبركة.
لكي يكون التطوع فعالاً ومؤثراً، لا بد من اتباع أساليب احترافية تشمل:
1. التدريب والتأهيل
– الالتحاق بالبرامج التدريبية التي توفرها الجهات المنظمة مثل وزارة الحج والعمرة والهيئات الخيرية.
– تعلم المهارات الأساسية مثل الإسعافات الأولية، التعامل مع كبار السن، وإدارة الأزمات.
2-. التخصص في المجالات المناسبة
– الإرشاد والاستقبال: توجيه الضيوف وتسهيل تنقلاتهم.
– الخدمات الطبية: تقديم الدعم الصحي في نقاط الإسعاف.
– التنسيق اللوجستي: المساعدة في تنظيم المواصلات والسكن.
– الترجمة والدعم اللغوي: مساعدة غير الناطقين بالعربية.
3. الالتزام بأخلاقيات العمل التطوعي
– الصبر واللطف: التعامل مع الضيوف بروح إيجابية.
– الاحترافية: الالتزام بالمواعيد والمسؤوليات الموكلة.
– التواضع: تذكر أن الهدف الأساسي هو خدمة ضيوف الرحمن وليس الظهور أو الشهرة.
4. الاستفادة من التكنولوجيا
– استخدام التطبيقات الذكية لنشر المعلومات وتسهيل التواصل بين المتطوعين والضيوف.
– المشاركة في الحملات التوعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تحديات التطوع وكيفية التغلب عليها
– التعب والإرهاق: يمكن تجنبه بالتخطيط الجيد وأخذ فترات راحة.
– الاختلافات الثقافية: فهم تنوع الحجاج والتعامل معهم بمرونة.
– الازدحام والضغط: العمل ضمن فريق منظم وتقسيم المهام.
التطوع في خدمة ضيوف الرحمن ليس مجرد عمل مؤقت، بل هو فرصة لترك أثر خير يدوم، وفرصة لنيل الأجر والثواب. عندما يتم هذا العمل باحترافية وإخلاص، يصبح وسيلة لنشر القيم الإسلامية والإنسانية، ويسهم في نجاح مواسم الحج والعمرة، مما يعكس صورة مشرقة عن المجتمع المسلم.