التفرقة في التربية وأثرها على الأبناء بعد سنوات
الكاتبة لمياء المرشد
التربية هي الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل الأبناء، فهي ليست مجرد توجيه أو تعليم، بل هي تشكيل لشخصياتهم ومشاعرهم ونظرتهم لأنفسهم وللآخرين. ومن أهم القيم التي يجب أن يحرص عليها الوالدان هي العدل بين الأبناء. لأن أي ميل أو تفرقة، مهما كانت غير مقصودة، قد تترك ندوبًا عميقة في النفوس، وربما تظهر آثارها بعد سنوات طويلة من الصمت.
كيف تؤثر التفرقة على الأبناء؟
1. زرع بذور الغيرة والكراهية:
عندما يشعر أحد الأبناء بأن والديه يفضلان أخًا أو أختًا عليه، تبدأ مشاعر الغيرة بالتسلل إلى قلبه. قد لا يُعبِّر الطفل عن هذه المشاعر في حينها، لكنه يختزنها داخله، وقد تتحول مع مرور الوقت إلى كراهية أو تنافس سلبي بين الإخوة.
2. انعدام الثقة بالنفس:
الطفل الذي يشعر بالتفرقة غالبًا ما يبدأ في مقارنة نفسه بالآخرين، ويتساءل: “لماذا لا يحبني والداي كما يحبون أخي؟” هذا الشعور قد يضعف ثقته بنفسه، ويؤثر على طريقة تعامله مع الآخرين في المستقبل.
3. مشكلات في العلاقات المستقبلية:
التفرقة في التربية لا تقتصر آثارها على مرحلة الطفولة فقط، بل قد تؤثر على قدرة الأبناء على بناء علاقات صحية في المستقبل. فقد يصبحون أكثر حساسية تجاه الآخرين أو يتبنّون سلوكيات عدوانية نتيجة لمشاعرهم المكبوتة.
4. تفكك العلاقات الأسرية:
الغيرة الناتجة عن التفرقة قد تؤدي إلى تنافس بين الإخوة يمتد حتى بعد أن يكبروا. وقد يتحول التنافس إلى خلافات عائلية طويلة الأمد تؤثر على ترابط الأسرة.
أسباب التفرقة في التربية
قد لا تكون التفرقة دائمًا متعمدة، بل قد تحدث نتيجة عوامل مثل:
• اختلاف شخصية الأبناء: أحيانًا ينجذب الوالدان تلقائيًا للطفل الذي يتسم بالهدوء أو الطاعة، بينما قد يعاملان الطفل الأكثر حركة بحزم زائد.
• الجنس: في بعض الثقافات، يُفضل الذكور على الإناث أو العكس، مما يؤدي إلى شعور أحد الأطراف بالظلم.
• الترتيب بين الأبناء: الطفل الأكبر قد يُحمّل مسؤوليات إضافية، بينما يُعامل الأصغر بالدلال الزائد.
كيف نتجنب التفرقة في التربية؟
1. العدل في المعاملة:
العدل لا يعني المساواة المطلقة، بل إعطاء كل طفل ما يحتاجه بحسب شخصيته وظروفه. على سبيل المثال، قد يحتاج الطفل الخجول إلى دعم عاطفي أكبر، بينما يحتاج الطفل الجريء إلى توجيه أكثر.
2. التعبير عن الحب بطرق متساوية:
تأكد من أن كل طفل يشعر بأنه محبوب ومقدَّر. لا تجعل طفلًا يشعر أنه أقل أهمية أو أنه مُهمل مقارنة بإخوته.
3. الاستماع والانتباه:
خصص وقتًا للاستماع لكل طفل على حدة. هذا يعزز شعوره بقيمته ويمنع الإحساس بالتفرقة.
4. التوعية بمخاطر التفرقة:
إذا شعرت أنك تميل إلى أحد الأبناء أكثر، حاول أن تراجع نفسك. استعن بشريك حياتك أو استشر مختصًا في التربية لتجنب أي أثر سلبي على أبنائك.
5. تشجيع العلاقة الإيجابية بين الإخوة:
علّم أبناءك أهمية التعاون والمحبة بينهم. شجعهم على مشاركة مشاعرهم وأفكارهم بدلًا من التنافس.
ختامًا
التفرقة في التربية قد تبدو أمرًا بسيطًا في نظر الوالدين، لكنها تُحدث فرقًا كبيرًا في نفوس الأبناء. العدالة ليست رفاهية، بل هي ضرورة لتنشئة جيل متزن نفسيًا واجتماعيًا. لذا، لنحرص دائمًا على أن تكون قلوبنا مفتوحة للجميع، وأن نمنح كل ابن من أبنائنا نصيبه العادل من الحب والاهتمام، لنبني أسرة متماسكة قادرة على مواجهة الحياة بروح متحابة.