الحج المبارك: تجلّيات الإيمان ووحدة الأمة

 

بقلم: د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

الحجّ ليس مجرّد رحلةٍ إلى أماكن مقدسة، بل هو ميلادٌ جديدٌ للروح، وعبورٌ إيماني تتطهّر فيه النفوس، وتسمو فيه الأرواح، وتذوب فيه الفوارق بين الناس، في مشهدٍ مهيب، يقف فيه الجميع على صعيدٍ واحد، تحت رايةٍ واحدة: التوحيد الخالص لله ربّ العالمين.

ومع إقبال أيام الحج، تفيض المشاعر بخشوعٍ لا يُوصف، وتستيقظ في القلب معانٍ من الصفاء والتجرّد، لا يدركها إلا من ذاق لذّة المناجاة في عرفات، وبكى خاشعًا بين زمزم والمقام، ورمى الجمرات بيقين المنيب الذي يُلقي عن قلبه كل قلقٍ وهمٍّ وألم.

وقد قال رسول الله ﷺ: “من حجّ فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمّه”. حديثٌ جليلٌ يُبيّن كيف أن هذا الركن الكريم يصفّي القلب من أدرانه، ويعيد الإنسان إلى فطرته النقية، ويمنحه فرصة عمرٍ لا تقدّر بثمن.

وفي هذا الموسم المبارك، تتجلّى عظمة المملكة العربية السعودية – حرسها الله تعالى – التي جعلت من خدمة ضيوف الرحمن أولوية وطنية، ومهمة شرعية، ومسؤولية تاريخية. فقد سخّرت حكومتنا الرشيدة كل إمكاناتها، وبذلت الغالي والنفيس؛ لتوفير منظومة متكاملة من الخدمات والأمن والرعاية، ليؤدّي الحجاج مناسكهم في يسرٍ وأمانٍ وطمأنينة.

ومن المشاهد التي تأسر القلوب، أن ترى حاجًا يبكي خاشعًا، وآخر يسير على عكاز، وثالثًا يطوف بابنه الصغير يحمله على كتفه، وكأنهم جميعًا يُلبّون نداء السماء: “لبّيك اللهم لبّيك”. مشهدٌ يتجلّى فيه الدرس الإيماني، والنداء الإنساني، ومفهوم الوحدة الراسخة التي تتخطى اللون واللغة والجنس.

وقد قيل في المثل العربي: “إذا أردت أن ترى الناس سواسية، فانظر إليهم في الحج”.

وفي المثل الإنجليزي:

“He who returns from Hajj is reborn without sin.”

وكلاهما يُجسّدان عمق هذا الركن العظيم، الذي يُطهر الذنوب، ويفتح أبواب الرحمة، ويُذيب الفوارق، ويعلّمنا أن الشرف كلّه في طاعة الله والخضوع له.

قال الشاعر:

تهفو القلوبُ إذا دعاها البيتُ

وتفيضُ دمعًا من نداءِ الغيثِ

إنّ الحجّ ليس سفرًا إلى مكانٍ بعينه، بل هو عودة إلى الذات، ومراجعة صادقة مع النفس، وتجديد للعهد مع الله سبحانه وتعالى. نرفع أكفّ الدعاء، ونُحسن الظن، ونرجو من الله سبحانه وتعالى القبول والغفران، مستبشرين بأن من وقف بعرفات، كُتب له – بإذن الله تعالى – العتق من النيران.

فلنغتنم هذه الفرصة العظيمة، ولنُكثر من الدعاء، أن يُتمّ الله تعالى على الحجاج حجّهم، وأن يرزقنا حجًا لا رياء فيه ولا سمعة، وأن يحفظ بلاد الحرمين الشريفين، ويبارك في قيادتنا الحكيمة، ويُديم على وطننا نعمة الأمن والإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com