السلام… دعاء بالحفظ في محطات الحياة الكبرى

 

بقلم /أ.د. محمد بن علي المرشدي

أستاذ تكنولوجيا التعليم

عندما يُلقي أحدهم علينا السلام، فإنه لا يُلقي تحيةً مجردة من المعنى، بل هو دعاء مختصر وعميق، يتضمن أمنية بالحفظ والطمأنينة، والنجاة من كل مكروه وأذى. فـ”السلام” ليس فقط كلمة، بل هو أمانٌ يطلبه الإنسان لنفسه ولغيره، وهو من أعظم ما يتبادله الناس فيما بينهم من دعاءٍ ورحمة.

وقد جاء في القرآن الكريم ما يُبرز قيمة السلام ودلالته في أهم اللحظات التي يمر بها الإنسان في حياته، وذلك في قول الله تعالى على لسان نبيّه يحيى عليه السلام:

﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾

(مريم: 33)

في هذه الآية، يُقرّ نبي الله يحيى بأن السلام كان له حصنًا وسِترًا في ثلاثة مواقف مصيرية تمرّ بكل إنسان:

* يوم وُلدت: وهو أول لحظة من لحظات الخروج إلى الدنيا، حيث يولد الإنسان ضعيفًا عاجزًا، في أحوج حالاته إلى العناية والرعاية. في هذا اليوم، يكون السلام معناه الحماية من شرور الدنيا، والتيسير في استقبال الحياة.

• ويوم أموت:

وهو اللحظة الفارقة بين الحياة والفناء، حيث تذبل الجوارح ويودّع الإنسان دنياه. طلب السلام هنا هو طلبٌ للرحمة والطمأنينة عند الرحيل، أن يكون ختام الحياة سلامًا لا فزع فيه ولا خوف.

• ويوم أُبعث حيًا:

يوم القيامة، يوم البعث والحساب، اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عمّا أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها. السلام في هذا اليوم هو النجاة، والسكينة وسط الهول العظيم.

وفي هذا السياق، تتجلى رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله –، التي تؤكد باستمرار على قيمة السلام كنهج إنساني وحضاري. فقد عبّر سموه في أكثر من مناسبة عن أن السلام هو الخيار الاستراتيجي الأمثل لحفظ الأمن، وتحقيق التنمية، وبناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.

وكذلك مانشهده من مبادرات سعودية إقليمية وعالمية في الدعوة للسلام والتقارب، يعكس رؤية قيادة تؤمن بأن السلام ليس ضعفًا، بل هو قوة ناعمة، وعلامة رُقي، ومطلب شرعي وإنساني.

فالسلام ليس مجرد تحية، بل هو رسالة حياة، ووسيلة حماية، ومبدأ إسلامي، ونهج قيادي راسخ في سياسة المملكة العربية السعودية. فكلّما نطقت بـ”السلام عليكم”، تذكّر أنك تهدي غيرك دعاءً بالحفظ، وتستدعي قيمة ربانية كبرى، هي التي تُضيء دروب الأنبياء، وترسم طريق القادة العظماء

وليس غريبًا أن يكون “السلام” اسمًا من أسماء الله الحسنى، فنحن نختم صلاتنا بتحية السلام على النبي ﷺ، وعلى عباد الله الصالحين، ونبدأ ونختم لقاءاتنا به، ونتمنى لبعضنا بعضًا السلامة في الدين والدنيا والآخرة.

أما الله جلّ في علاه، فلا يُسلَّم عليه، بل يُثنى عليه ويُمجَّد، لأنه هو السلام ذاته، كما في دعاء التشهد:

“التحيات لله والصلوات والطيبات”.

*ختاماً*

في السلام معنى واسع يتجاوز المجاملات اللفظية، فهو دعاء، واسم من أسماء الله، وأمنية تُقال في اللحظات الفارقة من الحياة. فكلّما نطقت بـ”السلام عليكم”، تذكّر أنك تمنح غيرك دعاءً بالحفظ، وتستدعي قيمة عظيمة من قيم الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com