“العرض الأخير”… والعرض القادم! كيف يُباع المنتج بنفس الحيلة كل مرة؟

بقلم: عبدالرحمن العامري
مع بداية رمضان، تشتعل الحملات الإعلانية وكأن الأسواق على وشك الانهيار، والعسل، العود، والعطور في طريقها للانقراض. فجأة، يصبح العسل ضرورة لا غنى عنها للصائم، والعود ركنًا أساسيًا من أجواء الشهر الروحانية، والعطور عنصرًا لا يمكن تجاهله لاستكمال الطقوس الرمضانية.
لكن خلف هذه العروض “الحصرية” تكمن حيلة تسويقية متكررة، تُعيد تدوير نفس المفاهيم كل عام، تحت شعار “اغتنم الفرصة الذهبية قبل أن تختفي!”، رغم أنها لا تختفي أبدًا، بل تعود في كل مناسبة بثوب جديد.
أحد أكثر الأساليب التسويقية شيوعًا هو إيهام المستهلك بالندرة، حيث تتكرر العبارات ذاتها في كل حملة: “تبقى لدينا عدد محدود!”، “لا تفوّت عرض رمضان الخاص!”، وكأن هذه المنتجات تعيش آخر أيامها. المفارقة أن العسل نفسه، الذي كان “ينفد بسرعة” في رمضان، سيعود في “عروض العيد”، ثم في “تخفيضات الصيف”، ثم في “الاحتفال باليوم الوطني”، وكأن الأسواق اكتشفت منجمًا سريًا من المخزون بمجرد انتهاء الموسم. الأمر نفسه ينطبق على العود والعطور، التي تُسوَّق وكأنها قطع أثرية نادرة، رغم أن أسعارها ثابتة تقريبًا على مدار العام، والتخفيضات ليست سوى تعديل بسيط في الأرقام لإيهام المستهلك بأنه أمام فرصة لا تتكرر.
قبل أي حملة كبرى، هناك طقس معروف في عالم التسويق: رفع الأسعار قليلًا قبل بدء “التخفيضات”، بحيث يبدو الخصم وكأنه صفقة العمر. عبوة العسل التي كانت تُباع بـ 300 ريال قبل رمضان، ترتفع فجأة إلى 500 ريال، ثم يتم “تخفيضها” إلى 320 ريال، ليشعر المستهلك أنه اقتنص الفرصة، بينما هو في الواقع دفع السعر الطبيعي أو حتى أكثر بقليل. أما العود والعطور، فتزداد أسعارها فجأة مع بداية العروض، ثم تُخفض إلى مستوى يبدو جذابًا، لكنه في الحقيقة لا يختلف كثيرًا عن سعرها قبل بدء الحملة.
التلاعب لا يتوقف عند الأسعار، بل يمتد إلى خلق قصة حول المنتج تجعله يبدو أكثر تميزًا. العسل ليس مجرد غذاء، بل “خلاصة من أندر المناحل الجبلية، حيث لا يصل إلا ضوء الفجر الأول”، والعود ليس مجرد خشب، بل “قطعة من التاريخ تضفي أجواء ملكية على منزلك”، والعطور ليست مجرد روائح، بل “تجربة حسية تأخذك إلى عالم آخر”. بهذه الطريقة، لا يشتري المستهلك المنتج نفسه، بل يشتري الشعور الذي يرافقه، وهذا وحده كفيل بجعله يدفع أكثر دون تفكير.
ومع اقتراب العيد، تأتي الخدعة الأخيرة: الضغط على المستهلك بزمن محدود. “سارع بالطلب الآن قبل توقف الشحن لإجازة العيد!”، وكأن شركات الشحن ستغلق أبوابها إلى الأبد، أو أن هذه المنتجات لن تعود بعد انتهاء الإجازة. فجأة، يتحول الأمر إلى سباق مع الزمن، ويصبح اتخاذ القرار الفوري ضرورة ملحة، رغم أن السوق نفسه سيستمر بتقديم نفس العروض بعد أيام قليلة، ولكن تحت مسمى جديد.
في النهاية، لا يمكن إنكار أن هذه الاستراتيجيات تعكس فهمًا عميقًا لسلوك المستهلك، لكنها في الوقت نفسه اختبار دائم لوعيه الشرائي. وبينما يعتقد البعض أنهم استفادوا من “عرض العمر”، فإن الحقيقة أنهم وقعوا في شبكة تسويقية محكمة تستغل عواطفهم ورغبتهم في اقتناص الفرص. لذلك، في المرة القادمة التي ترى فيها إعلانًا يقول: “لا تفوت الفرصة قبل فوات الأوان!”، ربما يكون من الأفضل الانتظار قليلًا، لأن هذه “الفرصة” ستعود مجددًا… ربما بعد العيد، وربما باسم آخر، لكن بنفس الحيلة دائمًا.