الفجوة الرقمية الكبرى في السعودية: لماذا تزدهر بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة بينما يتخلف البعض الآخر؟

عبدالله محمد الخرمي*

إن المخبز الصغير في الرياض الذي أصبح يتلقى الطلبات عبر تطبيق واتساب للأعمال، وشركة الخدمات اللوجستية الصغيرة في جدة التي تتبع شحناتها باستخدام إنترنت الأشياء (IoT)، ووكالة التسويق المتخصصة في الدمام التي تستخدم الذكاء الاصطناعي (AI) لتخصيص حملاتها الإعلانية — هذه ليست قصص نجاح فردية، بل تمثل تحولاً جوهرياً يشهده قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية. وتحكي البيانات قصة يجب أن يوليها كل صاحب شركة صغيرة أو متوسطة اهتمامه.
بلغت نسبة تغطية شبكات الجيل الخامس (5G) في المملكة العربية السعودية إلى 94%، ما يضع المملكة في موقع متقدم بفارق كبير عن المتوسط العالمي. وبينما لا يزال رواد الأعمال في دول أخرى يناقشون جدوى الاستثمار في التقنيات الناشئة، تمتلك الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة ميزة البنية التحتية المتطورة التي تمكّنها من الانطلاقة مباشرة نحو المستقبل. وتتجه هذه الشركات بالفعل إلى تبني التقنيات الحديثة لتعزيز الكفاءة، وزيادة الإنتاجية، والحفاظ على قدرتها التنافسية في سوق رقمي سريع التطور. فالحلول التقنية المتقدمة مثل تطبيقات الأعمال تسهّل العمليات للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزز الأدوات الرقمية تفاعل العملاء، وتسهم في توسيع وصولها إلى الأسواق، وتحقيق النمو المستدام، ومع ذلك لا يزال هناك إمكانات واعدة في انتظار من يكتشفها ويستثمرها.
فرصة بقيمة 135 مليار دولار في متناول اليد
تُعتبر الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي في المملكة خطة طموحة تهدف إلى توفير 200 ألف وظيفة تقنية، وضخ 135 مليار دولار في الاقتصاد الوطني بحلول عام 2030. وقد حددت هيئة الحكومة الرقمية الذكاء الاصطناعي باعتباره المحرك الرئيسي لمسيرة التحول الرقمي في عام 2025، حيث بلغت نسبة جاهزية الجهات الحكومية 74.69%. وقد أثبتت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مشاريع سعودية قائمة بالفعل — مثل نظام “فسح” لتخليص المحتوى الجمركي فعاليتها من خلال تخفيض التكاليف بنسبة 95%، بينما ساعدت مشاريع المراقبة الذكية للأحياء في القضاء على 92% من مخلفات البناء بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. وبالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، تمثل هذه التطورات إنجازاً غير مسبوقة لمواكبة التحول الرقمي الوطني، بدلاً من مراقبته من بعيد.
يساعد الدعم الحكومي في خفض الحواجز المالية والمعرفية أمام دخول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى عالم التقنية، غير أن الدافع الحقيقي لهذه الشركات يتمثل في توظيف الأدوات الرقمية لإعادة التفكير وابتكار حلول جديدة أو تحسين الخدمات القائمة. ويعني ذلك أن التحول الرقمي لم يعد خياراً للبقاء في اقتصاد اليوم، بل أصبح ضرورة حتمية. فمع تبني الشركات الكبرى وشركاء سلاسل الإمداد للتقنيات الحديثة، تجد الشركات الصغيرة والمتوسطة نفسها تحت ضغط متزايد لمواكبة هذا التطور حتى لا تتخلف عن الركب.
لماذا أصبح شريكك في قطاع الاتصالات أكثر أهمية من أي وقت مضى
لكن دعونا نواجه الحقيقة الواضحة. تشير الاتجاهات العالمية إلى أن العديد من الشركات تواجه صعوبة في استغلال الإمكانات الكاملة لحلول تقنية المعلومات، ولكن غالباً ما تقع في فخ تنفيذ حلول تقنية منفصلة دون فهم كيفية تعظيم أثر هذه الحلول المتقدمة عند دمجها بشكل متكامل.
تساعد أتمتة المهام المتكررة، مثل إدخال البيانات وإدارة المخزون، على توفير وقت الموظفين للتركيز على الأنشطة الاستراتيجية ذات القيمة الأعلى. كما توفر تحليلات البيانات المستخلصة من تفاعلات العملاء والمبيعات والعمليات رؤىً قيمة لتحسين الخدمات القائمة، وتحديد نقاط الضعف في الكفاءة التشغيلية. أما الحوسبة السحابية، فتتيح للشركات الصغيرة والمتوسطة الوصول إلى أدوات وبنية تحتية متقدمة دون الحاجة لاستثمارات ضخمة في الأجهزة الميدانية، ما يقلل التكاليف، ويعزز التعاون، ويدعم النمو القابل للتوسع. كما يُتيح تعزيز تفاعل العملاء من خلال أنظمة إدارة علاقات العملاء (CRM) ، وأدوات وسائل التواصل الاجتماعي الشركات من متابعة العملاء بشكل أفضل، وتقديم تسويق مخصص، ما يؤدي إلى زيادة معدلات الاحتفاظ بالعملاء وتطوير منتجات أكثر ذكاءً وملاءمة لاحتياجات السوق.

هنا تكمن الميزة الفريدة للشركات الصغيرة والمتوسطة السعودية. فنهج المملكة المركّز من خلال مبادرات مثل برنامج التصميم في السعودية باستخدام الذكاء الاصطناعي (DISAI)، والجهود المكثفة لشركات الاتصالات الكبرى، يخلق بيئة متكاملة تتيح الوصول إلى الحلول التقنية المتقدمة، بحيث لم تعد هذه الحلول مجرد إمكانية بل أصبحت في متناول الجميع بسهولة.
تشير البيانات إلى ثلاث خطوات حاسمة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة المستعدة للاستفادة من فرصة التحول الرقمي:
أولاً: فكر بمنظومة متكاملة وليس بالأدوات فقط. فالشركات التي حققت تخفيضات في التكاليف تصل إلى 95% لا تستخدم الذكاء الاصطناعي فحسب، بل توظفه كمكون متكامل مدعوم بشبكات الجيل الخامس، والحوسبة السحابية. وتكمن الميزة التنافسية في كيفية تفاعل هذه التقنيات مع بعضها البعض، وليس فقط في مدى اعتمادها بشكل منفرد. وتساعد التقنيات الحديثة، مثل الحوسبة السحابية وبرمجيات إدارة سلاسل التوريد الفعّالة، الشركات الصغيرة والمتوسطة على امتصاص الصدمات الاقتصادية ومواجهة تقلبات السوق والتكيف معها.
ثانياً: اختر شركاء يفهمون أهمية التكامل. في ظل جهود الحكومة البارزة لتوسيع شبكات الألياف الضوئية للمنازل وربط المدن الذكية، لم يعد دور شركات الاتصالات محصوراً في توفير الاتصال فقط، بل أصبح مطلوباً منها أن تكون مزوداً متكاملاً للحلول التقنية، وقادرة على إرشاد العملاء لتجاوز التعقيدات المرتبطة بموردي التقنية وإمكانات التكامل المختلفة.
ثالثاً: تحرك في الوقت المناسب مع استثمار البنية التحتية. فالشراكات بين القطاعين العام والخاص تساهم في توفير البنية التحتية الرقمية اللازمة للتقنيات الناشئة، بينما تعمل الحكومات على إطلاق برامج تدريبية وتعليمية تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على سد فجوة المهارات، وفهم القيمة الاستراتيجية للتقنية. سيستفيد المبادرون الأوائل من دعم أفضل وفرص الوصول إلى حلول التقنية المتقدمة المخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
الخلاصة: عائد الاستثمار من التحول الرقمي
في المملكة التي تتجاوز فيها تغطية شبكات الجيل الخامس 94%، والتي يقود فيها الذكاء الاصطناعي التحول الحكومي بنسبة جاهزية 74.69%، حيث يساهم قطاع تقنية المعلومات والاتصالات بأكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن تكلفة التردد الرقمي أصبحت باهظة. لا تحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة إلى التحول إلى شركات تقنية بين ليلة وضحاها، لكنها بحاجة إلى التطور إلى شركات رقمية تستخدم التقنية بشكل استراتيجي لخدمة العملاء بشكل أفضل، وتحسين كفاءة العمليات وتعزيز المنافسة بكفاءة وفاعلية.
البنية التحتية متوفرة فعلاً. والدعم الحكومي غير مسبوق. وشركاء قطاع الاتصالات يستثمرون مليارات الدولارات لتسهيل عمليات التكامل. إن تضافر هذه الجهود يخلق فرصة غير مسبوقة للشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة للتفوق على منافسيها. إن الذين يستفيدون من هذه اللحظة سيحققون مزايا تنافسية مستدامة، بينما الذين يتأخرون يخاطرون بالتخلف عن الركب في سوق رقمية يتزايد فيها التنافس يوماً بعد يوم.
*الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال بشركة “اتحاد سلام” للاتصالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى