الفرقة المسرحية القارة بجندوبة:من التجذير المحلي والجهوي إلى الإشعاع الوطني والعربي إلى العزلة والاقصاء والتهميش

بقلم الأستاذ/ جلال الطويهري *
يعتبر المسرح في تونس منذ ستينيات القرن العشرين فضاء رئيسيا للتعبير الثقافي والفكري حيث تعددت التجارب الجهوية التي مثلت بدائل نوعية للمسرح الرسمي المركزي بالعاصمة وفي هذا السياق، شكل تأسيس الفرقة المسرحية القارة بجندوبة سنة 1977 منعرجا أساسيا في تاريخ الحركة المسرحية التونسية فقد جمعت هذه التجربة بين البعد المؤسسي من خلال إشراف وزارة الثقافة ومندوبيتها الجهوية وبين البعد الإبداعي الذي تولاه ثلة من المسرحيين والباحثين والمثقفين.
ظروف التأسيس ودور الدولة
جاء تأسيس الفرقة في إطار سياسة الدولة الرامية إلى اللامركزية الثقافية خلال السبعينيات حيث دعمت مبادرات بعث فرق جهوية قارة في مدن مثل قفصة، الكاف، صفاقس والمهدية وقد لعب محمد الصالح الرصاع المندوب الجهوي للثقافة بجندوبة، دورا حاسما في الدفع نحو إنشاء هذه التجربة مستفيدا من مساندة وزير الثقافة آنذاك كما أسهم في صياغة المشروع وبنائه مبدعون ومثقفون بارزون مثل نور الدين الورغي، الدكتور محمد المديوني، يوسف الخميري، جلال الغربي، كمال الطويهري، محمد السلطاني، محمود النهدي والمرحوم فتحي النغموشي هذا التنوع بين الممارسين والفنانين والباحثين أضفى على التجربة طابعا مزدوجا: عملي/إبداعي ونظري/فكري.
من الهواية إلى الاحتراف
تجمع الدراسات حول المسرح التونسي (انظر على سبيل المثال: أعمال محمد المديوني ونور الدين الورغي) على أن الفرق القارة ساهمت في ترسيخ مفهوم الاحتراف فقد تحولت العروض من مبادرات هاوية مناسباتية إلى برامج إنتاجية منتظمة ما جعل المسرح في جندوبة عادة ثقافية متواصلة لقد مكنت هذه النقلة من تكوين جمهور قار وأوجدت فرصا لتأطير ممثلين وتقنيين بشكل ممنهج.
المنافسة والإشعاع الوطني
لم تبق تجربة جندوبة محصورة في مجالها المحلي بل سرعان ما زاحمت وأحيانا تفوقت على تجارب الفرق الجهوية الأخرى في قفصة، الكاف، صفاقس والمهدية ويعود ذلك إلى جرأة الخيارات الفنية التي تطرقت إلى قضايا اجتماعية وسياسية راهنة والرهان على نصوص وتجارب إخراجية جديدة جعلت الفرقة قادرة على خلق هوية خاصة هنا تجذرها في محيطها حيث كان الجمهور جزءا من ديناميكية التجربة، وليس مجرد متلق سلبي.
بهذا المعنى، لم تكن الفرقة مجرد إضافة جهوية، بل شكلت مكوّنا أساسيا في المشهد المسرحي الوطني.
أثر التجربة وتكوين الأجيال
ساهمت الفرقة في تكوين أجيال من الممثلين والمخرجين الذين واصلوا فيما بعد الإسهام في المسرح التونسي على المستويين الجهوي والوطني كما رسخت فكرة أن المسرح يمكن أن يكون في المناطق الداخلية مركز إشعاع ثقافي يعادل ما تنتجه العاصمة وهذا البعد كان أساسيا في النقاشات حول دور الثقافة في التنمية الجهوية.
الخاتمة
تبرز تجربة الفرقة المسرحية القارة بجندوبة كيف يمكن لتظافر جهود الدولة والمجتمع المدني والمبدعين أن يخلق تجربة رائدة في المسرح.فهي تمثل نموذجا لانتقال المسرح التونسي من الهواية إلى الاحتراف ومن المركزية إلى اللامركزية ومن المحلية إلى الإشعاع الوطني وما تزال هذه التجربة رغم التحديات مرجعا لفهم كيفية بناء عادة مسرحية حقيقية في الجهات.
ملاحظة هامة
الصورة تعود لأبناء الفرقة القارة للمسرح بجندوبة سنة 1991
كل من الممثلين والمبدعين من اليمين الى اليسار المبدع عبد الباقي المهري. البدع الممثل محمد الغزواني. الممثلة المبدعة نزيهة الرقيق. الممثل المبدع فوز السعيداني. الممثل المبدع جلال الغربي . الممثل المبدع كمال الغانمي الباجي. الممثلة المبدعة منية الهيشري. الممثل المبدع العروسي الحناشي . الممثل المبدع سمير الخالفي. الممثل المبدع علي الخميري . الممثل المبدع محيي لدين السياري. الممثل المبدع فتحي النغموشي رحمه الله فشكر وتقدير لكم سادتي لما قدمتم للثقافة والمثقفين تحية اكبار وتقدير لكم من القلب على الدرب نواصل وانا على العهد باقون…
رئيس منظمة مجلس الشباب التونسي ورئيس المنتدى الدولي للسلام والدفاع عن حقوق الإنسان.