اللهجات السعودية: تطوّر اللغة وأصولها الفصحى

 

بقلم/ مضاوي بنت دهام القويضي

تمثل اللهجات السعودية كنزًا لغويًا يعكس ثراء البيئة العربية وتنوعها، وهي ليست مجرد طرائق محكية في التخاطب، بل جذور ضاربة في عمق الفصحى، ونوافذ تكشف تطور اللغة العربية عبر الزمن. فعند التأمل في لهجات المملكة، من الحجازية إلى النجدية، ومن الجنوبية إلى الخليجية إلى الشمالية، نكتشف أن هذه اللهجات لم تنفصل يومًا عن العربية الفصحى، بل تطورت منها، مستندة إلى أصولها القواعدية والصوتية، محافظة على كثير من ملامحها الأولى.

من اللافت أن كثيرًا من الألفاظ التي نعدها اليوم “عامية” في اللهجات السعودية، نجد لها نظائر في معاجم اللغة القديمة، وهو ما يدل على أصالة هذه اللهجات. فكلمة “وشّ” مثلًا في لهجة أهل نجد، بمعنى “ماذا”، موجودة في لهجات قبائل عربية قديمة، بل وتحمل نفس المعنى. وكلمات مثل “زود” (أي زيادة)، و”سنا” (أي نور)، و” الرشا بكسر الراء وهو الحبل الذي يوصل إ الدلو إلى البئر وكلمة قليب وهو البئر التي لم تطو)، كلها شواهد حية على امتداد اللهجة من الفصحى وغيرها الكثير مثل الكسكسة وهي تحويل كاف الخطاب للمؤنثة إلى سين مدغمة بالتاء . مثل أبوتس أمتس ومثلها الكشكشة وهي تحويل كاف الخطاب إلى شين مدغمة بالتاء وصارت تكتب في اللهجات الخليجية بالجيم الفارسية المثلثة وبصوت يشبه حرفي chوكذلك الشنشنة في لهجات الجنوب تحويل كاف الخطاب المؤنثة إلى شين خالصة أبوش ,أمش أو أبيش أمش

كما أن التصريفات النحوية المستخدمة في المحكيّات السعودية، مثل “أنا قلت” و”هم راحوا”، وإن اختلفت في بعض تفاصيلها عن الفصحى، إلا أن بناءها العام يعكس النظام العربي الأصيل في تصريف الأفعال والضمائر.

التنوع الجغرافي والاجتماعي في المملكة أسهم في إثراء اللهجات المحلية، منذ القرن الرابع الهجري وحتى اليوم لكنها ظلت جميعًا متحدة في مرجعيتها الكبرى: اللغة الفصحى. وهذا ما يجعل اللهجات السعودية ليست انحرافًا عن الفصحى، بل تطورًا طبيعيًا لها، يواكب تغير الأزمان، ويعكس مرونة العربية وقدرتها على التجدّد.

بل إن اللهجات اليوم تؤدي دورًا مهمًا في حفظ بعض المفردات والنطق القديم، الذي اندثر من الفصحى المكتوبة. فمثلاً، نطق حرف القاف بصوت الجيم المصرية (كما في اللهجات السعودية عامة) أو الكاف (كما في نجد)، هو نطق موثّق في لهجات العرب الأوائل، مما يعزز من قيمة هذه اللهجات بوصفها مخازن لغوية حيّة.

في الختام، فإن اللهجات السعودية ليست مجرد أداة للتواصل اليومي، بل شاهد على استمرارية اللغة العربية، وتطوّرها داخل أطرها الأصيلة. إنها جسر بين الماضي والحاضر، يحمل في طياته عبق الفصحى وروح الحياة المعاصرة.

كاتبة ومحررة صحفية سعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى