اللياقة الفكرية: امتداد لرحلة الكتابة والإبداع

د. غالب طه
في مقالته “لياقة القلم”، تناول الكاتب ثامر الوثيري مفهوم “اللياقة” بشكل مميز، موضحًا ارتباطها بالقدرة على الكتابة بسهولة ويسر.

وقد أشار بذكاء إلى أن الكتابة تتطلب جهدًا ذهنيًا وعاطفيًا وأحيانًا جسديًا. هذا الربط بين اللياقة والكتابة يُظهر أن الكتابة ليست مجرد عملية تكنولوجية أو فنية، بل هي رحلة فكرية وروحية تتطلب استعدادًا شاملاً.

كما أشار الوثيري إلى أن الانقطاع عن الكتابة قد يؤدي إلى صعوبة في التعبير، مما يعكس الحاجة إلى “اللياقة الفكرية” التي تجعل الكلمات تتدفق بسهولة. هذا الجهد الذهني والوجداني يظهر في قدرة الكاتب على العودة إلى الكتابة بوضوح وتركيز بعد فترة من التوقف. كما ذكر الكاتب الأمريكي أرنست همنغواي: “الكتابة ليست فقط شيئًا تفعله، إنها شيء تصبح فيه”.
اللياقة الفكرية ليست مجرد قدرة على الكتابة بمرونة، بل تشمل التفاعل العاطفي والفكري مع ما يمر به الكاتب. فالإبداع لا يتحقق إذا كان الكاتب مرهقًا عاطفيًا أو فكريًا. وهنا يأتي دور الانقطاع، الذي يُعتبر جزءًا طبيعيًا من عملية الكتابة. فالتوقف المؤقت يُعد فرصة للتأمل وإعادة التقييم، مما يساعد الكاتب على العودة بشكل أقوى وأعمق.

الكاتب المبدع لا يسعى للكتابة بشكل متواصل، بل يدرك أن فترات الراحة المتعمدة تتيح له تجديد طاقته الفكرية. فالاستراحات بين الكتابة تمنح الكاتب فرصة للتفكير بعمق، بعيدًا عن الضغوط التي قد تعرقل تدفق الأفكار. فتمامًا كما يحتاج الرياضي لفترة راحة بين التمرينات لضمان الأداء الأمثل، فإن الكاتب يحتاج للاستراحة ليعود أكثر حيوية وإبداعًا.

تتمثل اللياقة الفكرية أيضًا في القدرة على التكيف مع التحديات التي يواجهها الكاتب. فالضغوط اليومية والتقلبات العاطفية تُسهم في تعزيز قدرة الكاتب الفكرية، وجعلها أكثر عمقًا ووضوحًا. على سبيل المثال، استطاع الكاتب البريطاني جورج أورويل تحويل تحدياته الشخصية إلى إبداع متميز من خلال أعماله مثل “1984”. فالتجارب الحياتية، رغم صعوبتها، يمكن أن تكون مصدرًا هامًا للقوة الفكرية.
اللياقة الفكرية ليست مجرد استعداد دائم للكتابة، بل هي القدرة على اتخاذ اللحظة المناسبة للتوقف وإعادة تجديد الطاقة. الكاتب الذي يتقن فن التوقف يكتسب لياقة فكرية تمكنه من العودة إلى الكتابة بشكل أقوى وأكثر وضوحًا. كما ذكر ثامر الوثيري، “اللياقة” ليست مجرد شرط للكتابة الجيدة، بل هي جزء أساسي من العملية نفسها، التي تتطلب منا التوازن بين الاستمرار والتوقف، بين التعبير والتأمل.
الاستراحة الفكرية ليست ضعفًا، بل هي القوة التي تمنح الكاتب فرصة للعودة إلى قلمه بروح جديدة وطاقة متجددة، لتقديم كلمات تعكس أعمق أفكاره وأصدق مشاعره.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نتوجه بالشكر والتقدير للكاتب ثامر الوثيري على تقديمه لهذا المفهوم العميق للياقة الفكرية، الذي يعكس سعيًا دائمًا نحو تحسين مهارات الكتابة وفهم العملية الإبداعية بشكل أكثر نضجًا وعمقًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى