المسؤوليات تقتل الرومانسيات .. العلاقة بين العاطفة و المسؤولية

الكاتب ، الدكتور / محمد بن أحمد ابن غنيم المرواني

الحب هو الزهرة التي تزهر في قلوبنا دون دعوة مسبقة، والرومانسية هي الماء الذي يسقي هذه الزهرة حتى تزداد تألقًا وجمالًا. في بدايات العلاقة، الحب يبدو وكأنه كل ما نحتاجه، ينمو ويزدهر بلا عناء، فنعيش أيامًا وردية تنبض بالضحكات والمشاعر الجميلة. كل لمسة وكل نظرة تصبح كأنها قصيدة حب، كما قال الشاعر نزار قباني:

قولي أحبك كي تزيد وسامتي
فبغير حبك لا أكون جميلا

في هذه المرحلة، نرى الشريك كما لو أنه تجسيد لكل أحلامنا، وعندما نلتقي به، نشعر بأن العالم قد توقف لنعيش لحظاتنا الخاصة. وكل شيء آخر في الحياة غير نعيم الحب و السعادة و الشغف يبدو بعيدا عن هذا العالم الرومانسي، كأنه غير موجود اصلا ولا يشغلنا.

ازدهار الحب:

تبدأ العلاقة في الازدهار، وتحمل الى قلوبنا الآمال العريضة بأن هذه المشاعر الجميلة لن تتغير أبدًا.
و ستبقى ملتهبة مضيئة جميلة اخاذة إلى الأبد، و تتجلى الرومانسية في أبسط الأمور، كأن ترى في شريكك شخصًا يلهمك في كل لحظة، تمامًا كما قال الشاعر أحمد شوقي:

وما الحبُّ إلا طاعةٌ وتجاوزٌ
وإن أكثروا أوصافَهُ والمعانيا

في هذا الوقت، الحب لا يحتاج إلى مجهود كبير، كل كلمة حب تصبح نجمة جديدة في سماء الهوى و الهيام. ولكن بمرور الوقت، تبدأ تحديات الحياة في التسلل ببطء، إلى هذه الصورة الرقيقة من توهان الروح في عالم الخيال الجميل و تجد طريقها إلينا دون دعوة.

بداية ثقل المسؤوليات:

ومع مرور الأيام، تتزايد التحديات اليومية، كالعمل، و الخلافات الفكرية و الاراء و العادات و تحديد المسؤوليات و الواجبات والمصاريف العامة، والواجبات العائلية. في حالة الزواج و مسؤوليات الاطفال،
و مع هذه الضغوط، يبدأ الحب الذي كان يومًا ما براقا وملونًا بالتلاشي ببطء. تبدأ الأطراف بالتنازل عن بعض جوانب الحب و الرومانسية والاهتمام، كما وصف هذا الوضع الشاعر:

إذا ضاقت بك الدنيا قليلا
وأغرقتك في همومها الثقيلة

فالمسؤوليات تقتل الأوقات التي كانت تُخصَّص للرومانسية، وتبدأ الأنانية بالتسرب إلى العلاقة. و بدلاً من أن نكون مهتمين بحب الشريك وتلبية احتياجاته العاطفية، نصبح مشغولين بحل المشكلات اليومية. كما قال أحد الشعراء:

تعب الحياة يشل الحب في صدري
ويسلب القلب نبض العشق والحلوى

المقاومة و الحنين

يبدأ البعض في مقاومة التباعد الناتج عن المشاغل و المسؤوليات و يبدأ في الحنين إلى ما كان من حب و شغف بينه و بين من أحب حيث كانت الحياة أكثر جمالا و كانت الشمس اكثر اشراقا و كان قلبه يتنطط فرحا في صدره عند رؤية الحبيب .
فيصر على محاولة العودة إلى زمن الحب و قد يبدأ في الحوار و التناقش مع الطرف الآخر و لكن في كثير من الوقت تفشل هذه المحاولات بسبب انشغال الطرف الآخر في امور المسؤوليات أو الافتقار للجلد و المثابرة في إصلاح الضرر الذي وقع في العلاقة الرومانسية أو بسبب عدم تجاوب الطرف الآخر للأسف.

النهاية المتوقعة:

في النهاية، قد يتحول الحب من علاقة مبنية على الشغف والرومانسية و السعادة و الجنون الجميل إلى علاقة مبنية على التعود و المودة و الرحمة والالتزام ألاخلاقي.

يبقى الطرفان معًا بسبب المسؤولية والروابط العائلية و الالتزام و العقل و الاحترام، لكن بدون تلك المشاعر الدافئة الرومانسية التي كانت تغمر العلاقة في السابق. تصبح الامور أكثر تعقيدا.
ويصف الشاعر هذا الشعور المؤلم بقوله:

كأن الحب مات في ظل الجراح
وأضحى طيفًا لا يعيد صباحي

الخاتمة:

لا يمكن إنكار أن المسؤوليات ضرورية في الحياة، لكن في الوقت نفسه، من الضروري الحفاظ على الرومانسية حية، لأنها الروح التي تعطي للحب طابعه الخاص.
الحب ليس مجرد شعور، بل هو جهد مستمر للمحافظة عليه. يجب أن نخصص وقتًا للرومانسية مهما كانت المسؤوليات ثقيلة، فبدون هذا الجهد، تتحول العلاقة إلى شيء بارد وفارغ.

الحب نهر عميق إذا ما تُرك يجف
سيبقى القلب دائمًا في عطش وحنين

إن المسؤوليات قد تكون عبئًا، لكنها لا يجب أن تكون نهاية الحب ، لأن الرومانسية توقد الحب و إذا قتلت المسؤوليات الرومانسية فإنها ستخنق الحب و تحيل الحياة إلى دائرة مفرغة من العادات المملة التى لا قيمة لها و هذا يحتاج إلى تعاون و تفاهم الطرفان، و العمل على إيجاد وسائل لبقاء الرومانسية والحب و جمال الحياة مهما بلغت بنا السنون و الأيام. و الا فالمصير مجهول .
إما حياة مملة أو البحث عن شغف جديد يحي الرومانسية في قلوبنا التي قتلتها المسؤوليات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى