المسؤولية المجتمعية… من التفاعل مع الأزمات إلى نشر الأمل

الدكتور أحمد العمري / الرئيس التنفيذي لمستشفيات ومراكز الدكتور سمير عباس.
منذ سنوات ونحن نعيش تحولات كبرى في مختلف قطاعات المملكة، في ظل رؤية طموحة تسعى لنهضة الإنسان والمكان معًا. ومع هذه الرؤية، تغيّرت مفاهيم كثيرة، وكان أبرزها المسؤولية الاجتماعية، التي لم تعد مجرد تبرعات موسمية أو شعارات دعائية، بل أصبحت نهجًا مؤسسيًا يُبنى عليه استراتيجيات العمل في الشركات، والمستشفيات، وكل القطاعات الحيوية.
نحن في القطاع الطبي، وبالأخص المستشفيات المتخصصة، لم نقف عند حدود تقديم الرعاية للمرضى داخل جدران العيادات، بل وسّعنا مفهوم مهمتنا، لنشمل المجتمع كله كمريض محتمل، وكمتلقي للوعي والوقاية قبل أن يصبح متلقيًا للعلاج. من هذا المنطلق، نبعت قناعتنا أن المسؤولية المجتمعية ليست خيارًا، بل واجب وطني ومهني وأخلاقي، خاصةً في تخصص دقيق مثل تأخر الإنجاب والعقم، الذي ما زالت تحيط به الكثير من المفاهيم الخاطئة، والأحكام المجتمعية الجائرة.
ولذلك، نُطلق هذا الشهر حملة “تأخر الإنجاب.. نشر الأمل وكسر الصمت”، وهي حملة وطنية شاملة، تنطلق من العاصمة الرياض مرورًا بجدة والدمام وباقي مدن المملكة، بالتعاون مع جامعة الملك سعود للعلوم الصحية، وجامعة الملك عبدالعزيز، وجمعية الأمل الصحية للإنجاب، ويشارك فيها طلاب الطب المتطوعين، في تأكيد واضح على مبدأ التمكين والمسؤولية المتبادلة بين القطاع الصحي والمجتمع.
الحملة لا تستهدف المرضى فحسب، بل تستهدف المجتمع بأكمله: الأزواج الجدد، الآباء، الأمهات، المقبلين على الزواج، بل وحتى الشباب في مقتبل أعمارهم، لأن التوعية تبدأ قبل ظهور الأعراض، وقبل اتخاذ القرار، وقبل أن تتفاقم المشكلة.
أرقام الواقع تشير إلى ارتفاع نسبة تأخر الإنجاب في المجتمع السعودي، وتزايد حالات الانتظار لسنوات دون تشخيص أو علاج، في ظل صمت ناتج إما عن الخجل المجتمعي أو ضعف الوعي الطبي. ولذلك، نرى أن كسر الصمت ليس فقط شعارًا لحملة، بل خطوة إنقاذ حقيقية لآلاف الأزواج الذين قد يجهلون أن مشكلتهم بسيطة إن عولجت مبكرًا، ومعقدة جدًا إن تأخرت.
لقد رأينا كيف بدأت كبرى الشركات، لا سيما المستشفيات والجهات الطبية الرائدة، تتجه نحو بناء برامج مسؤولية اجتماعية مستدامة، تخدم المجتمع، وتثري المحتوى التوعوي، وتدعم استقرار الأسرة، وتواكب مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تضع الإنسان في قلب التنمية. ولم نعد نشهد مبادرات فردية أو آنية، بل برامج متكاملة تقيس الأثر، وتطور أدواتها، وتعتمد على الكوادر الوطنية.
ولعل ما يثلج الصدر هو أن الوعي المجتمعي بات يتغيّر بشكل إيجابي. أصبح الحديث عن العقم لا يحرج، وأصبح المجتمع أكثر انفتاحًا على العلم، وأكثر ثقة بالطب الحديث. ومع كل حملة توعوية، نلاحظ ارتفاعًا في عدد الفحوصات، وزيادة الإقبال على الاستشارات، وانخفاضًا في مشاعر العزلة التي يعاني منها بعض الأزواج.
في الختام، أقولها بكل وضوح: نحن في هذا المجال لا نبيع المنتجات الطبية كسلعة ، بل نزرع الأمل. وكل خطوة نخطوها في التوعية هي علاج مبكر. وكل جهد نمنحه للمجتمع هو استثمار في المستقبل، مستقبل أكثر صحة، ووعيًا، واستقرارًا.
ومن هذا المنبر، أدعو زملائي في القطاعين الصحي والخاص، إلى تبني نهج المسؤولية المجتمعية كجزء من الهوية المؤسسية، لا كمبادرة وقتية، وأن نكون شركاء في بناء الوعي، ودعم الإنسان، وتحقيق أهداف وطننا العظيم.