الناس كلهم يسوون كذا

 

اللواء م/محمد فريح

عبارة تتردد كثيرًا في حياتنا اليومية، حتى أصبحت ردًا مألوفًا يُستخدم لتبرير الخطأ ومهاجمة كل من يحاول الإنكار أو التنبيه.

تُقال حين يُنكر الأب على أبنائه سلوكًا خاطئًا، فيُجاب بها.

تُقال حين يُحاول الصديق أن يُذكّر صديقه، أو الجار أن يُنبه جاره، فيُقابل بالرد ذاته، الناس كلهم يسوون كذا

وكأن كثرة الفعل أصبحت معيارًا للصواب.

هذه العبارة لا تُعبّر عن وعي، بل عن انسياق جماعي يُحوّل الخطأ إلى عادة، ويُلبس المُنكر ثوب القبول.

فما دام الناس كلهم يسوون كذا، فلا حاجة للتفكير، ولا مجال للمراجعة، ولا مكان للإنكار.

وهكذا يتحوّل الخطأ المُنكر من استثناء إلى قاعدة، ويُصبح الإنكار هو الغريب، لا الفعل المنكر.

لكن القرآن الكريم يُعيد ضبط هذا الميزان، ففي مواضع عديدة وردت عبارة أكثر الناس، وتبعها وصف لا يُطمئن:

لا يعلمون، لا يشكرون، لا يؤمنون.

وفي مواضع أخرى جاءت أكثرهم مقرونة بـ:

فاسقون، يجهلون، معرضون، لا يعقلون، لا يسمعون.

وهنا تتجلى الحكمة الربانية في التحذير من اتخاذ الكثرة معيارًا للصواب.

فليس كل ما يفعله الناس صوابًا، وليس كل ما شاع أصبح مشروعًا.

بل إن الصواب قد يكون غريبًا، والوعي قد يكون نادرًا، والمراجعة قد تكون ثقيلة، لكنها تظل ضرورة لا تُلغى بثقافة الناس كلهم يسوون كذا.

إن أخطر ما في هذه العبارة أنها تُعطل التفكير، وتُطفئ شعلة النقد، وتُحوّل الخطأ المُنكر إلى عُرف، والمنكر إلى مألوف.

فمن يرددها لا يُدافع عن نفسه فقط، بل يُبرمج نفسه على رفض التغيير، ورفض التمييز بين الصواب والخطأ.

 

عزيزي القارئ، إذا كنت ممن يرد بهذه العبارة، فتذكّر أن أكثر الناس في القرآن كانوا لا يعلمون، لا يعقلون، لا يشكرون، لا يؤمنون.

فكن من القلة التي تُبصر، وتُفكر، وتُراجع، ولا تكن من الكثرة التي تُبرر وتُقلّد.

ختاماً

انشر هذا المقال، وكن أنت البداية في كسر هذه القاعدة الزائفة.

فربما مُساهمة منك تُعيد وعيًا، وتُصلح فهمًا، وتُغيّر واقعًا تؤجر عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com