الهوية بين الكلمات: كيف تصنع الكتابة شكلي المهني

بقلم : علي عادل علي
منذ بدأت رحلتي في الكتابة، لم أكن أعي أن الكلمة التي أكتبها ستتحول لاحقًا إلى مرآة تعكس ملامحي المهنية، بل وشخصيتي وهويتي كذلك ..
!لطالما كنت شغوفًا بالتعبير، ومولعًا بتدوين الأفكار وتحليل المواقف، لكن الأمر تطوّر حين وجدت نفسي أكتب لا لأسمع صوتي فقط، بل لأشكّل هذا الصوت وأمنحه هوية متفرّدة تعكس قيمي، واهتماماتي، وتُسمِعها للعالم
ففي كل تجربة تحريرية، سواء مع مؤسسات إعلامية أو مجلات كـ”سيدتي” و”هي”..
كنت أكتشف أن الكتابة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل بوابة لفهم الذات وتقديمها للآخرين ، وأن الكلمة الأولى في المقال ليست فقط بداية موضوع، بل بداية تعريف جديد بي، ككاتب وكإنسان! كنت أعود بعد كل مادة منشورة، وأقرأها بعين القارئ، فأدرك أنني أبني مع كل مقال لبنة في شكل مهني يتضح أكثر فأكثر، فبين هذه الأسطر البديعة ، تكمن شخصيتي، وتظهر لا كصورة ثابتة، بل كهُوية تتطور وتنمو مع كل تجربة جديدة.
لقد درّبتني الكتابة على الإصغاء للأفكار قبل أن أُطلقها، وعلى أن أكون دقيقًا في اختياراتي، واضحًا في طرحي، ومسؤولًا عن كل ما يُنشر باسمي، ومنحتني الكتابة هوية مهنية رصينة، تقوم على المعرفة، والتحليل، والحياد حين يتطلب الأمر، والجرأة حين يكون الصمت خيانة للحقيقة.. وما بين الحياد والجرأة، تتشكل خيوط الثقة التي تربطني بالقارئ، وتمنحني مساحتي للتأثير، والأهم من ذلك تحافظ على مساحتي!.. فقد وجدت في الكتابة توازنًا بين عالمي الأكاديمي في الإدارة والتمريض، وعالمي الإعلامي، فبينما أدرس كيف تُدار المنظمات ويُعالج المرضى، أكتب عن القيم، والسياسات، والتحولات، وكل مايثير شعوري من تساؤلات، وهذا التكامل بين ما أتعلمه وما أكتبه لا يمنحني فقط أدوات للتعبير، بل يمنحني رؤية نقدية أوسع، وشعورًا أعمق بالمسؤولية تجاه ما أطرحه.
الهوية المهنية لا تُبنى في لحظة، بل هي نتاج تراكمي لكلمات، ومواقف، وتجارب، ومحاولات وفي زمن كثُرت فيه الأصوات، تبقى الكلمة الواعية، الأصيلة، الصادقة، هي من تصنع الكاتب الحقيقي، وتمنحه احترام الجمهور وثقة المنصات.. وأنا، بكل تواضع، أطمح أن أكون من هؤلاء الذين يكتبون ليبنوا، لا ليكرروا.
فمع الوقت، أدركت أن الكتابة لا تهتم فقط بما نقوله، بل بكيف نقوله، وبما نتركه في نفوس من يقرؤون لنا، وأن كل جملة نكتبها جديرة أن تساهم في تقريب المسافة بين الفكرة والشعور، وبين التجربة والمعنى، وكلما طوّرت لغتي وأسلوبي، عاد ذلك التطور علي كإنسان، فأرى الحياة من زوايا أكثر وضوحًا وسِعة، فالكتابة بالنسبة لي ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل طريقة لفهم العالم من حولي، وفهم نفسي أولًا.. هي المساحة التي أكون فيها على طبيعتي، أرتّب فيها أفكاري، وأدوّن فيها ثمرات طريقي المهني والإنساني، وأجعل كل مقال أكتبه يمنحني فرصة جديدة لأصغي لصوتي الداخلي، وأتواصل مع الناس بطريقة أكثر عمقًا وصدقًا، ولهذا؛ ستبقى الكلمة عندي مسؤولية، وشغف، وأداة أصنع بها أثري، وأرسم بها ملامحَ الكون، ومن أكون .