بابل بوابة الآله والعلم والاسطورة
بقلم سارة طالب السهيل
العلم والاسطورة والسحر والفن والجمال والابداع والابتكار والقوة العسكرية ، التخطيط والتنظيم للقرى القانون المنظم للحقوق والواجبات ولحياة الناس التجارية والاقتصادية ، الابداع المعماري والتدوين الاول لحفظ التاريخ للأجيال .
انها بوابة الاله الواقعة ببلاد ما بين النهرين حضارة بابل صنعها شعب سكن جنوب بغداد ، وشيد بها حضارة قلما جاد الزمان بمثلها ، علمت العالم كثيرا في الطب والهندسة والرياضيات والفلك والوقت وتقسيم الشهور وأطلس الخرائط الأولى و
تابيوتي ، صانع العطر الأول في العالم
باستعمال نبات المر و الزيوت و الزهور في بلاد ما بين النهرين البابلية.
واول عجلة و اول شاعرة كلهم كانوا في العراق
.
وكما علمت بابل العالم علوم السحر من خلال الملكين هارت وماروت ، فإنها علمت العالم ايضا التوحيد لارتباطها بالعديد من الأديان السماوية وورد ذكرها في الكتب السماوية الثلاث .
انها المدينة الساحرة المدهشة مدينة العجائب التي تدهش علماء التاريخ والآثار كلما نقبوا في ارثها الخالد من ملاحم وأساطير وقواميس وعلوم شتى فهي حتما اعظم حضارات التاريخ ، وكانت أول مدينة يصل تعداد سكانها لأكثر من 200000 انسان ، بل وهي المدينة التي حكمت فيها بعض أكثر الإمبراطوريات نفوذًا في العالم القديم و أسراره بما في ذلك برج بابل الذي ورد ذكره لأول مرة في سفر التكوين في الكتاب المقدس .
الأسر البابلية وانجازاتها
في الألف الثانية ق.م ، عاش السومريون في قرية صغيرة تحولت مع الزمن إلى مدينة مهمة وقد بنى فيها الملك الأكدي شركالي شري معبداً للإلهة عشتار، وبقيت مدينة مغمورة في عصر سلالة أور الثالثة ، حتى تحولت لمدينة مهمة مع وصول القبائل البدوية الأمورية إلى بلاد الرافدين في موجاتٍ قادمة من بادية الشام ، وتأسيسها سلالات حاكمة في كثير من المدن مثل لارسا وأشنونة وإيسن وبابل التي أسس فيها الأمير الأموري سَموآبو مملكة قوية تولى أولاده و أحفاده حكمها من بعده .
حكم العموريين
انشغل ملوك بابل العمورين بتوسيع منطقة نفوذهم وسط بلاد الرافدين واقامة بعض الأبنية الدينية منها كمعبد الإله مردوخ وبتشييد التحصينات والأسوار وتدعيمها لحماية المدينة من الاعتداءات الخارجية . وكان من أشهر ملوكهم سادس ملوك بابل حمورابي (1792-1750ق.م) الذي استطاع التغلب على جميع خصومه من ملوك الممالك المجاورة ، وبسط سلطته على بلاد الرافدين اليت سميت ببلاد لبابل .
الحكم الكاشي لبابل
وسقطت مملكة بابل عام 1595ق.م بيد الحيثيين الذين انسحبوا منها بعد نهبها واستولى على السلطة جماعات هندية ـ أوربية عرفت باسم الكاشيين الذين حكموا بلاد بابل حتى منتصف القرن الثاني عشر قبل الميلاد. ونتيجة للضعف الذي عانته بابل في أواخر العصر الكاشي استطاع العيلاميون عام 1160ق.م احتلالها ونهب كنوزها .
وسرعان ماقامت سلالة حاكمة في مدينة إيسن حررت بابل من احتلال العيلاميين واشتهر من هذه السلالة الاله نبوخذ نصر الأول (1124-1103ق.م) و قام بحملتين ناجحتين على عيلام ،
أسس الحكم البابلي الجديد كلداني نابوبولاصَر (626-605ق.م). وكان هذا حاكماً عينه الملك الآشوري على منطقة القطر البحري المتاخمة للخليج العربي، وسع منطقة نفوذه بعد موت آشوربانيبال باتجاه الشمال حتى وصل إلى مدينة نيبور. ودخل مدينة بابل وإعلن نفسه ملكاً عليها.
وبعد عشر سنوات تضامن مع الميديين الإيرانيين، وهاجم الآشوريين عند نهر الزاب الأسفل ودحرهم، وأسقط عاصمتهم نينوى في العام 612ق.م. وسيطر على سورية على يد ولي العهد نبوخذ نصّر الذي قهر الجيش المصري الذي أرسله الفرعون نيكاو الثاني إلى كركميش (جرابلس اليوم) للوقوف في وجه التوسع البابلي في عام 605ق.م، وهو العام الذي مات فيه نابو بولاصر، وجلس فيه نبوخذ نصّر الثاني (605-562ق.م) على عرش بابل في مصر وعاد إلى فلسطين لمهاجمة القبائل البدوية الموالية لمصر، كما حاصر نبوخذنصّر أورشليم حتى سقطت عام 597 ق.م . واقتاد معه إلى بابل نحو3000 يهودي أسرى، وعين عليها والياً . وكان ذلك عند اليهود السبي البابلي الأول .
ثم عاد نبوخذ نصر فغزا أورشليم واقتحمها بعد أن حاصرها 18شهراً في عام 587/586ق.م، ودمر هيكل سليمان ونقل خزائنه، ونفى أربعين أو خمسين ألفاً من أهلها لينوحوا عند مياه الفرات بحسب كتاب العهد القديم. وأطلق اليهود على هذا اسم السبي البابلي الثاني. وأعاد المدن الفينيقية التي أعلنت العصيان إلى حظيرة الدولة البابلية.
جمع الملك البابلي نبوخذ نصّر الثاني بين الكفاءة الإدارية والقيادة العسكرية وقيادة الجيش . ربما كانت القسوة امرا عاديا في تلك العصور
كما كان يتمتع بالحس الفني والمعماري ، وهو ما تجلى في اعادة مدينة بابل الى مكانتها الرائدة في العالم القديم خاصة عهد سلفه حمورابي .
بلغت المملكة البابلية الحديثة (أو الكلدانية) أوج قوتها وازدهارها في عهد ابنه نبوخذ نصّر الثاني (605-562ق.م) الذي أنشأ كثيراً من الأبنية في بابل مثل برج بابل (زقورة الإله مردوخ) وشارع المواكب وبوابة عشتار وحدائق بابل المعلقة وبعض القصور والمعابد. خلفاء نبوخذ نصر لم يستطيعوا الحفاظ على ازدهار بابل فسقطت في عهد نابونيد آخر ملوكها (555-539ق.م) بيد كورش الثاني ملك الفرس الذي حافظ عليها من التخريب والنهب وأمَّن سكانها على حياتهم مكافأة لهم على عدم مقاومتهم له. وصارت بابل إحدى العواصم الثلاث للامبراطورية الفارسية الأخمينية العالمية التي امتدت من آسيا الصغرى حتى وادي السند، وكان يحكم فيها الملوك الأخمينيون عدة أشهر في السنة
النمرود
المملكة البابلية حكمها النمرود بالحديد والنار بجيشه الكبير، وهو من اول البشر الذين ادعى الألوهية وصمم له صنم ليعبدوه الناس ،وبنى النمرود برج بابل العظيم لكى يرى الناس عظمته وقدرته.
ويذكر بعض المؤرخين أن أول من سكن بابل نبي الله نوح عليه السلام وعمرها بعد الطوفان كما جاء في معجم البلدان .
التدوين وحفظ الحضارة
اهتم البابليون بالكتابة والتدوين وجعلوا لها الهة أسموها نيسابا تحمل في يدها القلم لتشرف على فنون الكتابة ، وكان للكتبة والذين هم أيضا علماء منزلة رفيعة عند الملوك خاصة في المرحلة الأولى من المملكة البابلية القديمة لانهم تمكنوا من اتقان اللغة وحفظوا رموزها بأسمائها وطريقة نطقها واعطاء معانيها باللغة الاكدية السامية ، وألفوا القواميس بهاتين اللغتين.
هؤلاء من اوائل من مارسوا مهنة الترجمة، و ورث العرب والأوربيون كلمة ترجمان ومن البابليين ، وكان هؤلاء الكتبة يتدربون في مدرسة خاصة بهم تسمى أدوبَا وتعني بيت الألواح ، ويترأس المدرسة شخص عليه أومُيا اي الخبير والعارف ، ويليه في الرتبة مسؤول الفصول الذي يطلق عليه أدَا ادوبا ، ثم المختصين مثل طوبشار نشد اي خبير الرياضيات، وطبوشار أشاكا خبير واستاذ الهندسة والمساحة، بينما يطلق على مدرس اللغة السومرية طبوشار كنكيرا .
وواصل البايليون رحلتهم العلمية بتأليف قواميس خاصة كقواميس أسماء الأحجار والنباتات والحيوانات والمعادن بل ألفوا قواميس لمعاني الأفعال وقواميس لغوية للأضداد والمترادف، وللجذور واشتقاقاتها واستعمالاتها و للكلمات النادرة التي تستعمل في الأدب خاصة من فترة الألف الأول قبل الميلاد.
وبحسب باحثين ، فان مهنة الكتابة عند البابليين لم تقتصر على الرجال وحدهم وانما شملت نساء كاتبات منذ وقت مبكر من الحضارة البابلية، ولم تكن معرفة القراءة والكتابة مقتصرة على طبقة معينة من الناس كالكتاب والكهنة. بل إن الكثير من النصوص الأدبية التي عثر عليها جاءت من بيوت الناس العاديين .
وشريعة حمورابي تعد من أشهر وأهم هذه التدوينات ، ومن أقدم القوانين في الحضارات القديمة ، وتحتوي على أكثر من مئتين وثمانين فقرة شملت الكثير من مناحي الحياة.
كما تميزت شريعة حمورابي خاصة بجمال اللغة ودقتها . وتضمنت ديباجتها بعض أسباب تشريعها ، مثل : إنه من أجل أن يسود العدل في البلد ويقضى على الشر والظلم وكي لا يضطهد القوي الضعيف. وقد وضعت نماذج منها في أماكن عامة كالمعابد كما كان التلاميذ يتعلمونها لمضمونها ولجمال لغتها وأصبحت نصوص هذه القوانين نموذجاً للغة البابلية القديمة.
والبابليون اشتهروا أيضاً في الطب ، وكان للطبيب الذي يسمى أسو ، يعد من أبناء الطبقة العليا وكانت مهنته لها ادواتها وتعليمها وخبرتها ، أما من يعالج بالكهانة الدينية و السحر يسمى أشيفو.
ومن اشهر النصوص الطبيةالبابلية تعود إلى منتصف الألف الثاني ق.م ، رسالة في التشخيصات الطبية والتكهنات ،عثر على أربعين لوحاً منها ، كما عرف الاطباء البابليون العدوى وشخَّصوها . ومما يدل على انتشار الطب في زمانهم، احتواء شريعة حمورابي علي سبعة مواد تتعلق بعمليات جراحية .
واهتم البابليون بالرياضيات وقد عثر على آلاف الرقم والألواح التي تضم أعداداً رتبت بطرق مختلفة وعمليات طرح وجمع ومسائل حسابية تتعلق بالعمارة ومساحة الأرض والسقي .
والالواح الكثيرة عثر عليها تحوي تمارين رياضية (مسائل حسابية)بعضها مع حلول لها والبعض الآخر بدون ذلك وبعضها بمستوى رياضي متقدم. كما عرف البابليون الفيزياء والكيمياء كما اشار لذلك جورج روكس في كتابه العراق القديم ، ان البابليين والآشوريين كانوا يعرفون أكثر مما عثر عليه في كتاباتهم ، فنقل الصخور الهائلة ونصبها أو إنشاء ممرات مائية طويلة يدل على معرفة متقدمة بقوانين الفيزياء، وكذلك معرفتهم ببعض مبادئ الكيمياء التي طبقت بشكل ناجح في الأدوية والأصباغ وعمل الزجاج الملون وتزيين الآجر بالمينا.
راقب البابليون القمر والشمس والنجوم بشكل دقيق ومن على المعابد الدينية وأبراج خاصة في بعض المدن . واكتسبوا علوم الفلك ، تنبأوا بخسوف القمر وكسوف الشمس و قسموا السنة إلى اثني عشر شهراً ، ومازالت أسماء الأشهر البابلية تستعمل عند اليهود وكذلك النظام الشمسي – القمري ، كما قسموا الشهر إلى ثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً وقسموا اليوم الى أربع وعشرين ساعة والساعة إلى ستين دقيقة . وقد وردت أسماء علماء فلكيين في بعض الرسائل البابلية التي عثر عليها وسجل هؤلاء حالات كسوف وخسوف بشكل دقيق كما يقول بطليموس .
واستفادت الشعوب من خبرة البابليين في هذا المجال بعد زوال دولتهم . إذ نقرأ أن ( نابو – ريماني ( القرن الخامس ق.م) وكدينو والكاهن بل أشور( القرن الثالث ق.م كانوا من العلماء الذين استفاد منهم الإغريق في علم الفلك وأطلقوا عليهم أسماء إغريقية. فالكاهن بل أشور كان له حلقة دراسية يدرس فيه طلاباً في بلاد الإغريق بطلب منهم. وبل أشور هو نفسه الذي كتب تاريخاً باللغة اليونانية لموطنه بابل ولملوكها. ومما ذكره في هذا الكتاب أن نبوخذ نصر بني الحدائق المعلقة لزوجته أميتس.
كما ان بعض علماء الفلك من القرن السادس الميلادي قد اعتمدوا على ملاحظات البابليين في التنبؤ بكسوف الشمس ، بل ان رموز الأبراج المستعملة اليوم ترجع في أصلها إلى البابليين وهناك لوح أثري من بابل في المتحف البريطاني يؤكد ذلك .
و ابتكر البابليون الساعة الشمسية ، حسبما ذكر المؤرخ هيردوتس ، موضحا إن علم المساحة والساعة الشمسية وتقسيم اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة لم تأت من اليونان أو مصر ولكن من بابل. كما انشغل البابليون بالجغرافيا وقد عثر على نصوص تتضمن قوائم لأسماء البلدان والجبال والأنهار والمدن بل وحتى للمسافات بين المدن .
وانعكس اهتمامه بالتاريخ في تدوين ما أنجزه الملوك أثناء حكمهم وما كتب على الأبنية من معلومات، فقد عثر على قوائم تضم أسماء السلالات الملكية وأسماء الملوك وشخصيات معروفة وقوائم بأحداث متزامنة إلى جانب تسجيل الحملات العسكرية والبلدان الأخرى.
وأيضا تسجيل قوائم بأسماء الآلهة ، وقوائم طويلة بطوالع الخير والشر، وكان لهذه الطوالع مختصون يدرسونها ويتدربون على معرفتها لفترة طويلة يسمى الواحد منهم الرائي أو الناظر.
ولم يغفل البابليون الوثائق بل اهتموا بها وحافظوا اعليها مثل الرسائل المهمة التي توضع في ظروف من الطين وتختم حتى لا يعبث بها أو تقرأ من قبل أناس غير مخولين .
وكانت تكتب بعض الكلمات على الظرف تشير إلى ما بداخل الوثيقة أو الرسالة ، وتختم الرسائل الشخصية بختم خاص من الحجر ، وكما ذكر هيرودتس ، فان كل بابلي كان له ختمه الخاص ودون تراثهم الادبي من شعر ونثر وفكاهة وحكمة ومن أشهرها قصة الخلق وعشتار في العالم السفلي وملحمة جلجامش التي تعد من أهم الملاحم في العصور القديمة.التي ترجمت للعديد من لغات العالم القديم والحديث .
الابداع والفن في بابل بهرتا المؤرخ هيرودتس فأفاض في ابراز اعجابه ببنائها وبتخطيطها وببواباتها وقال لا توجد مدينة تشبهها في روعتها في العالم الذي نعرفه خاصة بوابة عشتار التي زينت واجهتها باللون الأزرق وزينت بعدد من التنانين رمز للإله مردوخ ، و كذلك بعدد من الثيران رمز الإله أدد ، وتوجد بوابة عشتار حاليا في متحف برلين.
واكتشفت القدرة الفائقة للبابيليين في علوم حساب المثلثات ، عبر دراستهم للوح الطين يبليمبتون 322 أظهر قائمة من ثلاث أعمدة لنظرية حساب المثلثات، وانهم استخدموا ذلك في بناء معابدهم وقصورهم .
العلم والاسطورة
وكما شيد البابليون حضارتهم بالعلم اشتهروا بالأساطير والتي أشهرها: أسطورة الآلهة الأنوناكي: وتتحدث هذه الأسطورة عن كيفية خلق الآلهة ورحلتهم في الأرض ، وكيف وصلوا إلى بابل.
أسطورة إننا وإنشار :وتروي هذه الأسطورة قصة حب بين إننا وإنشار، وكيف فتحت هذه القصة الباب لتأسيس إمبراطورية بابلية قوية
وأسطورة تيامت: وهي إحدى الأساطير الأقدم، وتتحدث عن كيفية خلق الآلهة والكون.
وأسطورة أدابا: وتروي هذه الأسطورة قصة رحلة رجل يدعى أدابا ، الذي يبحث عن مكان العلم الحقيقي في العالم.
تبقي شواهد من حضارة بابل خالدة في التاريخ الانساني ، وعلومها وابتكاراتها رغم تعاقب الدهور، فقانون حمورابي يعد واحدا من أقدم وأكمل القوانين التشريعية المكتوبة .
وهي مجموعة من 282 قاعدة وتشريع للمعاملات التجارية ، وفرضها غرامات وعقوبات لتحقيق العدالة، و نقشها على حجارة سوداء ضخمة على شكل الأصبع، وسرقها الغزاة ثمً نجحت جهود استرجاعها عام 1901م.
حضارة بابل في رأيي لم تكشف الكثير من اسرارها بعد، واظن اذا تكاتف جهود الخبراء وعلماء الاثار في التنقيب سيكتشفون علوم ربما تفوق ما انجزتها الالفية الثالثة للميلاد من تكنولوجيا .