جمال العطاء: وعندما يزدان العمل الخيري بالخلق والتأثير

الدكتور / عثمان بن عبد العزيز آل عثمان
رئيس مجلس إدارة جمعية صعوبات التعلم
في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتفاوت فيه الحاجات، يظلُّ العمل الخيري والإنساني من أسمى ما يمكن أن يقدمه الإنسان لأخيه الإنسان. لكنه لا يكتمل في جوهره إلا حين يرتقي إلى معانٍ أعمق، حيث يمتزج الفعل بالعاطفة، ويتزين بالخلق، ويترسخ بالأثر. فالعطاء ليس مجرد تقديم مساعدة مادية، بل هو فلسفة حياة تُجسِّد النُّبل والرحمة والتكاتف.
وجمال الخُلُق والتعامُل يتجلّى في أدب التقديم، وفي رُقيّ التعامل، وفي احترام المحتاج دون إشعاره بحاجته، وفي تقديم المعروف بوجهٍ بشوشٍ ونفسٍ كريمة. العمل الخيري الحقيقي هو ذلك الذي يُمنَح بروح العطف والتقدير، لا بمنطق التفضُّل والمَنِّ، فهو امتدادٌ لأخلاق الكِرام الذين يُعطون حبًا، لا تفضُّلًا.
وجمال اللِّسان والبيان يجعل الكلمة الطيبة صدقة، فكيف إذا رافقت العطاء وأضفت عليه دفئًا وقَبولًا؟ إن العمل الخيري لا يكتمل بمدِّ اليد فقط، بل يحتاج إلى كلمةٍ مُطمئنة، وإلى تعبيرٍ يُخفف الألم، وإلى خطابٍ يزرع الأمل. فكثيرًا ما يكون وقع الكلمة أبلغَ من وقع المال، بل قد تكون هي الفارق بين مساعدةٍ تُنسي الفقر، وعطاءٍ يُشعر بالحياة.
وجمال الفِكر والعقل يجعل العطاء أكثر استدامةً، فالعطاء العشوائي قد يسدُّ حاجةً آنية، لكنه لا يُحدِث أثرًا مستدامًا. لهذا، فإن العمل الخيري يحتاج إلى عقلٍ راشد، وإلى تخطيطٍ حكيم، وإلى رؤيةٍ بعيدة المدى، تضعه في موضعه الصحيح، وتراعي احتياجات المجتمع بأسلوبٍ يُحدث فرقًا حقيقيًا. أن تعطي بعقلٍ يعني أن تصنع تغييرًا، لا مجردَ حلٍّ مؤقت، وأن تُسهم في تمكين الأفراد بدلًا من الاكتفاء بسدِّ حاجاتهم الوقتية.
وجمال الشخصية والأسلوب يعكس هوية العطاء، فالشخص الذي يُقدِّم الخير هو سفيرٌ للرحمة في مجتمعه، وفي أسلوبه انعكاسٌ لقيمه ومبادئه. فالتواضع، والرُّقيُّ في التعامل، والبعد عن الرياء، تجعل العطاء أكثر قَبولًا وأعمق أثرًا. ومن يتزيّن بالخلق الجميل، يجد أن عمله يتحدث عنه حتى بعد غيابه، ويصبح قدوةً تُلهم الآخرين للسير على نهجه.
وجمال الحضور والعبور والأثر هو المعيار الحقيقي لجمال العطاء، فهو الذي يبقى في القلوب، ويستمر في النفوس، وفي المجتمعات، ويُحدث التغيير. فمن أجمل صور العمل الخيري أن يكون بصمةً لا تُمحى، وخيرًا لا ينقطع، ونورًا يستمر حتى بعد رحيل صاحبه.
وختامًا، فإن العمل الخيري حين يتزيّن بجمال الخُلُق، وبـرُقيِّ اللسان، وبـحكمة الفِكر، وبـسماحة الأسلوب، وبـعمق الأثر، يصبح أعظم من مجرد مساعدةٍ مادية، بل يتحوّل إلى رسالةٍ إنسانيةٍ تُعبِّر عن سموِّ الروح ونُبل المقصد. وهكذا، وفي كل مرةٍ يُمارَس فيها العطاء بروحٍ نقيّة، تكتمل الفرحةُ الأصيلةُ بقبول العمل، ليس فقط عند متلقيه، بل أيضًا في قلب مُقدِّمه، لأن العطاء في جوهره هبةٌ متبادلة: سعادةٌ تُمنَح، وسكينةٌ تُزرَع، وأملٌ يُزهِر في دروب الحياة.