جنون الشهرة وضياع القيم: ثمن باهظ في عالم الأضواء

عبدالعزيز عطيه العنزي
في عصر تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتشابك فيه عوالم الواقع الافتراضي، باتت الشهرة حلمًا يراود الكثيرين، ويصعدون في سبيل تحقيقه دروبًا وعرة، قد تؤدي بهم إلى هوة عميقة من ضياع القيم. إن جنون البحث عن الأضواء والسباق المحموم نحو الشهرة الزائفة أصبح ظاهرة تستحق التأمل، فكم من الأفراد ضحوا بمبادئهم، وتخلوا عن أخلاقهم، وباعوا أرواحهم من أجل لحظة مجد عابرة على منصات التواصل الاجتماعي أو شاشات التلفاز؟
الشهرة: وهم يفتن العقول ويغوي النفوس
تبدو الشهرة من الخارج براقة وجذابة، فهي تَعِد بالمال، والسلطة، وحب الجماهير. يتصور البعض أنها مفتاح السعادة والرضا، وأنها السبيل الوحيد لإثبات الذات في عالم لا يرحم. يدفع هذا الوهم بالكثيرين إلى البحث عن أي وسيلة لجذب الانتباه، حتى لو كانت هذه الوسيلة تتعارض مع أبسط مبادئ الأخلاق والقيم الإنسانية. فنجد من يلجأ إلى المحتوى المبتذل، أو التصرفات الشاذة، أو حتى اختلاق الأكاذيب والقصص الوهمية ليثير ضجة إعلامية تضمن له بضع دقائق من الشهرة.
عندما تتبدل البوصلة: القيم في مهب الريح
يكمن الخطر الحقيقي في هذا الهوس بالشهرة في تأثيره المدمر على القيم الجوهرية التي تشكل أساس المجتمعات السليمة. فالشخص الذي يضع الشهرة هدفًا أسمى، يصبح مستعدًا للتخلي عن:
* الصدق والأمانة: قد يلجأ البعض إلى تزييف الحقائق أو ادعاء ما ليس فيهم لكسب تعاطف الجمهور أو إثارة إعجابهم.
* الخصوصية واحترام الذات: يتحول الفرد إلى سلعة معروضة، يبيع تفاصيل حياته الشخصية، ويكشف أسراره، ويُعرّض نفسه وعائلته لتدخلات لا مبرر لها من الغرباء، كل ذلك في سبيل زيادة عدد المتابعين أو المشاهدات.
* المسؤولية الاجتماعية: بدلًا من أن تكون الشهرة وسيلة لنشر الخير، وإلهام الآخرين، والمساهمة في بناء المجتمع، تتحول إلى أداة لتحقيق مصالح شخصية ضيقة، حتى لو كان ذلك على حساب القيم المجتمعية والأخلاقية.
* الأصالة والهوية: يفقد الفرد ذاته الحقيقية، ويصبح مجرد نسخة مقلدة لما يراه ناجحًا في عالم الشهرة، يتخلى عن اهتماماته وشغفه الحقيقي ليتبنى ما يراه الجمهور مرغوبًا فيه.
الثمن الباهظ: فراغ داخلي وضياع للهوية
إن الشهرة الزائفة التي لا تقوم على أساس من الجهد الحقيقي، والموهبة الصادقة، والقيم النبيلة، سرعان ما تتلاشى. ومع زوال الأضواء، يجد الشخص نفسه وحيدًا في مواجهة فراغ داخلي هائل. تتبخر تهاني المعجبين، وتتلاشى الإشادات، ويبقى الفرد أمام نفسه مجردًا من كل ما كان يتشبث به. عندئذ، يدرك أن الثمن الذي دفعه كان باهظًا جدًا: فقد خسر احترامه لذاته، وربما فقد أصدقاءه وعائلته، والأهم من ذلك، فقد بوصلته الأخلاقية التي كانت ترشده في الحياة.
الخاتمة: دعوة للعودة إلى الأصالة والقيم
لا تعني هذه السطور نبذ الشهرة بشكل مطلق، فالشهرة التي تقوم على الإبداع، والعلم، والعمل الجاد، وخدمة المجتمع هي أمر محمود ومطلوب. لكنها دعوة للتأمل في قيمنا، وإعادة ترتيب أولوياتنا، والتفريق بين الشهرة الحقيقية التي تبنى على الإنجاز والعطاء، وبين الشهرة الزائفة التي لا تلبث أن تتهاوى كبيت من ورق. فليست الحياة سباقًا لجمع أكبر عدد من الإعجابات أو المتابعين، بل هي رحلة لبناء الذات، وتحقيق الأهداف النبيلة، والعيش بسلام مع النفس والمجتمع، بعيدًا عن جنون الأضواء وبريقها الخادع.