“حبر أسود”
بقلم بشائر الحمراني
في كل ليلة، أفتح دفتري، وأغمس قلمي في حبرٍ أسود لا ينضب. أكتب عن أحلامٍ هربت، عن وجوهٍ تلاشت في ضباب الماضي، وعن لحظاتٍ تشبثت بها حتى تحولت إلى سراب.
حبرُ الأسود ليس سوى مرآة تعكس خواء الأيام التي مررت بها، والقرارات التي اتخذتها دون إدراك لثقلها. لكنه أيضاً رمزٌ للقوة. قوة القلم، قوة السرد، وقوة الغوص في أعماق النفس لتفكيك تلك الجروح التي اختبأت خلف الابتسامات الزائفة.
وفي النهاية، يبقى الحبر الأسود شاهداً صامتاً على كل تلك الانتصارات الصغيرة والهزائم الكبرى.
أكمل سطوري بخطوط متعرجة، كأن الحبر الأسود ينساب من قلبي لا من قلمي، يحمل معه ثقل الصمت والهموم التي لا تبوح بها الكلمات. لكل نقطة تنسال، حكاية لم تكتمل، وحلم تاه في زحام الحياة.
لكن، كما يعتم الليل، يتبعه الفجر، يبقى الأمل دائماً بين سطور الحبر الأسود. فكل خط باهت يحمل في داخله نورًا خفيًا، ينتظر اللحظة المناسبة ليشعّ، ليعيد ترتيب الفوضى ويبعث الروح في تلك الصفحات الملطخة بالظلام.
ربما يظل الحبر أسودًا، لكن المعنى الذي يحمله يمكنه أن يضيء عتمة الأيام ويمنحني القدرة على الاستمرار، على الكتابة من جديد، حتى تملأ الصفحات بالألوان التي تستحقها.
وأمام تلك الصفحات الملطخة بالحبر الأسود، أدرك أن كل قطرة تحمل معها جزءًا مني، أحياناً يثقلني الحزن فتبدو الكلمات ثقيلة، وأحياناً ينهمر الشغف فيفيض الحبر بلا توقف. في هذا التناقض، أجد ذاتي، بين ما ضاع وما بقي، بين ما كتبته وما لم أستطع التعبير عنه.
الأسود ليس نهاية، بل بداية جديدة، فصلٌ آخر من حكاية لم تنتهِ بعد. كل سطر كتبته هو خطوة نحو التغيير، نحو الشفاء، نحو تقبل ما كان وما سيكون. فالحبر، رغم سواده، لا يزال أداة لإعادة بناء ما تهدم، ورسم أحلامٍ جديدة على صفحات الحياة.
وفي لحظة صمتٍ بين الكلمات، أرى الحقيقة واضحة: أن الحبر الأسود الذي كنت أظنه مرآة للظلام، هو في الحقيقة النور الذي أحتاجه لأرى الطريق أمامي، لأكتب فصلاً جديداً من حكاية لم تروَ بعد.