حوار مع نجاح لافي الشمري: قلم يعبر الوجدان ويصنع الأثر.

أجرى الحوار:عبدالعزيز عطيه العنزي
يسرنا أن نبحر في عالم الكاتبة السعودية نجاح لافي الشمري، ذات القلم المعبر، لنتعرف على رحلتها الأدبية، مصادر إلهامها، وعمق رؤاها. في هذا الحوار الشيق، تكشف لنا الشمري عن الشرارة الأولى التي دفعتها للإمساك بالقلم، وأبرز التحديات التي واجهتها، ودور الكاتب في بناء مجتمع واعٍ وملهم في ظل رؤية المملكة 2030.
* كيف بدأت رحلتكِ مع الكتابة؟ وما هي الشرارة الأولى التي دفعتكِ للإمساك بالقلم والتعبير عن أفكاركِ؟
بدأت رحلتي مع الكتابة في سنٍ مبكرة، حين كانت الكلمات ملاذي الوحيد لفهم العالم من حولي. كنت أجد في دفاتري الصغيرة مساحة أتنفس فيها بحرية، أدوّن فيها مشاعري، وأحاول تفسير الأسئلة التي لم أجد لها إجابات في الواقع. كانت الشرارة الأولى التي دفعتني للإمساك بالقلم لحظة شعرت فيها أن داخلي ممتلئ بالكلمات التي لا يمكن أن تبقى حبيسة الصمت. ربما كان موقفًا بسيطًا أو شعورًا عابرًا، لكنه أيقظ فيّ رغبة عميقة في التعبير،
الكتابة بالنسبة لي لم تكن مجرد هواية، بل كانت صوتًا داخليًا يلحّ عليّ أن أُصغي له، أن أعبّر عما يعجز عنه الحديث، وأن أخلق من الحروف عالماً يشبهني.
* هل تتذكرين أول قصة أو نص كتبتهِ؟ وماذا كانت أهم الدروس التي تعلمتِها من تلك التجربة المبكرة؟
نعم، أذكر جيدًا أول قصة كتبتها، رغم بساطتها وسذاجة كلماتها. كانت قصة قصيرة عن طفلة تبحث عن لعبته التي ضاعت منه وتمر برحلة طويلة وسط الغابات والجبال لتعيدها إلى مكانها. ربما لم تكن القصة متماسكة من حيث الحبكة، لكن بالنسبة لي آنذاك، كانت بمثابة مغامرة كبيرة خضتها بالكلمات فقط.
من تلك التجربة المبكرة، تعلّمت أن الكتابة ليست مجرد تركيبٍ للجمل، بل هي مشاعر تُسكب على الورق بصدق. أدركت أيضًا أن الخطأ جزء من الرحلة، وأن كل نص غير مكتمل هو خطوة نحو نصٍ أجمل. الأهم من ذلك كله، تعلمت أن الشجاعة الحقيقية في الكتابة تكمن في أن تكتب بقلبك، لا بقلمك فقط.
* من أو ما الذي شكّل أكبر مصدر إلهام لكِ في بداية مسيرتكِ الأدبية؟ وهل تغيرت مصادر الإلهام بمرور الوقت؟
في بداياتي، كان الحنين هو مُلهمي الأكبر—حنين لأماكن لم أزرها، ولأشخاص لم أقابلهم. مع مرور الوقت، أصبحت الكتابة نفسها هي الإلهام؛ كلما كتبت، اكتشفت شيئًا جديدًا يدفعني للاستمرار.
العملية الإبداعية والأسلوب:
* كيف تصفين عمليتكِ الإبداعية من الفكرة الأولى وحتى اكتمال النص؟ هل هناك طقوس معينة تتبعينها للكتابة؟
عمليتي الإبداعية تبدأ غالبًا بشرارة بسيطة—صورة في ذهني، جملة عابرة، أو إحساس لا أستطيع تجاهله. لا أجلس لأكتب فورًا، بل أترك الفكرة تنضج في رأسي، كأنها تختمر بهدوء. أراقبها، أتحدث معها، أحيانًا أكتب ملاحظات مبعثرة على هوامش دفاتري أو في هاتفي.
عندما أشعر أن الفكرة أصبحت جاهزة لتولد، أختار وقتًا هادئًا—غالبًا في المساء أو عند الفجر—حيث يكون العالم نائمًا والكلمات أكثر صدقًا. أُشعل شمعة وأدخل في طقس يشبه التأمل. أكتب بلا توقف، بلا مراجعة، أترك النص ينساب كما هو. ثم أعود لاحقًا، بعين الناقدة، لأشكّله وأصقله.
والكتابة بالنسبة لي ليست فعلًا عقليًا فقط، بل حالة شعورية كاملة، أقرب إلى الرقص الداخلي بين الفكرة والإحساس.
* هل تفضلين نوعًا أدبيًا معينًا للكتابة فيه، ولماذا؟ وما هي التحديات التي تواجهكِ عند التنقل بين الأنواع المختلفة؟
أميل إلى النصوص النثر والخواطر، لأنها تتيح لي التقاط لحظة إنسانية مكثفة وصياغتها بدقة ودفء، كأنها صورة بالكلمات. أُحب كثافتها، وإمكانية قول الكثير بالقليل.
أما التنقل بين الأنواع الأدبية، فهو مغامرة ممتعة لكنه ليس بلا تحديات. فكل نوع له نَفَس مختلف، وإيقاع خاص، ويتطلب أدواته. أكبر تحدٍ أواجهه هو الحفاظ على صوتي وأصالتي، دون أن أذوب في قالب النوع نفسه.
* كيف تتعاملين مع “حصار الكاتب” أو فترات انعدام الإلهام؟ وما هي استراتيجياتكِ لتجاوزها؟
حصار الكاتب” أو فترات انعدام الإلهام أمر يمر به كل من يكتب، بغض النظر عن خبرته أو شغفه. وبعض الاستراتيجيات لتجاوز هذي المرحله
فهم السبب
غالبًا ما يكون الحصار ناتجًا عن أمور معينه بمجرد إدراك السبب، يصبح التعامل أسهل.
ومن الاستراتيجيات لتجاوز الحصار. الكتابة الحرة تغيير المكان أو الروتين الابتعاد المؤقت
والإلهام لا ينتظر بل يبحث عنه.
أحيانًا الإلهام لا يأتي إلا وأنت تكتب. الحركة تخلق الزخم.
* إلى أي مدى تعكس أعمالكِ جوانب من شخصيتكِ أو تجاربكِ الشخصية؟ وهل تجدين صعوبة في الفصل بين الكاتبة والإنسانة؟
الكتابة عندي ليست مرآة، بل عدسة، تمرّ من خلالها التجربة الذاتية لتتشكّل في صور قد لا تشبهني ظاهريًا، لكنها تحمل روحي في التفاصيل.
أعمالي لا تروي حياتي، لكنها تحمل صوتي حتى في صمت الشخصيات. أكتب أحيانًا عن ما لم أعيشه، لكنني شعرت به، تخيلته، أو خفته. وهذا يكفي لتسري الحياة في النص.
أما الفصل بين الكاتبة والإنسانة؟
فهو ليس فصلاً بقدر ما هو مناوبة بين الحضور والتخفي.
أحيانًا أكتب وأنا “أنا”، وأحيانًا أكتب لأهرب مني.
لكن في كل الحالات، يبقى الأثر:
الكاتبة تسكن الإنسانة، والإنسانة تهمس في أذن الكاتبة.
* ما هي أبرز القضايا أو الرسائل التي تحرصين على تناولها في مؤلفاتكِ؟ وما الذي يدفعكِ لتسليط الضوء عليها؟
أتناول في كتابتي قضايا تمس الإنسان والمجتمع معًا
لأني أؤمن أن الكلمة الواعية يمكن أن تفتح وعيًا، وتزرع تغييرًا يبدأ من الداخل.
* كيف ترين دور الكاتب في المجتمع؟ وما هو الأثر الذي تطمحين أن تتركه أعمالكِ في القارئ؟
أرى أن دور الكاتب لا يقتصر على السرد، بل على الإضاءة:
إضاءة مناطق الظل في الإنسان والمجتمع، وطرح الأسئلة التي يُهملها الصخب اليومي.
أما الأثر الذي أطمح لتركه؟
أن يشعر القارئ بأنه مفهوم، غير وحيد، ومُحرَّض على التفكير.
لا أكتب لأُعجِب، بل لأُحرّك شيئًا ظل ساكنًا طويلًا.
* هل هناك شخصيات معينة في رواياتكِ أو نصوصكِ تركت أثرًا خاصًا في نفسكِ أثناء الكتابة؟
نعم، هناك شخصيات غالبًا ما تترك أثرًا عميقًا في داخلي أثناء الكتابة.
هي ليست مجرد شخصيات، بل أرواح مُستعارة تحمل صراعاتي، آمالي، وأحيانًا مخاوفي.
كتابة هذه الشخصيات تعني لي رحلة اكتشاف ذاتي أيضًا، حيث أجد فيها أجزاءً مني لم أكن أدركها من قبل.
كل شخصية تصبح مرايا، أرى نفسي وأفهم العالم من خلالها بشكل أعمق.
النجاح والتحديات:
* بصفتكِ كاتبة “ناجحة”، ما هو تعريفكِ الشخصي للنجاح في مجال الكتابة؟ وهل وصلتِ إلى ما تعتبرينه نجاحًا؟
بالنسبة لي، النجاح في الكتابة ليس مجرد شهرة أو مبيعات،
بل القدرة على نقل إحساس أو فكرة تُحدث تأثيرًا حقيقيًا في قارئ واحد على الأقل.
هل وصلت إلى النجاح؟
أقول نعم، كلما استطعت أن أجعل كلمة أو قصة تضيء شيئًا صغيرًا في عقل أو قلب قارئ، أعتبرها خطوة ناجحة.
والنجاح رحلة مستمرة، وليس محطة نهائية.
* ما هي أبرز التحديات التي واجهتكِ في مسيرتكِ ككاتبة؟ وكيف تغلبتِ عليها؟
أبرز التحديات التي واجهتني ككاتبة كانت في القدرة على التوازن بين صوتي الشخصي ومتطلبات المجتمع المتغير،
وفي كيفية أن أكون جزءًا من الحوار الثقافي الذي يبني مستقبلًا واعدًا.
ونحن اليوم في ظل الرعاية الكريمة والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وأولي عهده الأمين حفظهم الله جميعا معززين دور الثقافة والكتابة ورؤية “عشرين ثلاثين” دورها أساسي ومحوري،
فهي تفتح آفاقًا جديدة للإبداع من خلال دعم المبادرات الثقافية والتعليمية، وتمكين الشباب، وتشجيع الانفتاح الفكري.وهذا الدعم يجعل من مهمة الكاتب أكثر تأثيرًا ومسؤولية، حيث أصبحنا شركاء في بناء مجتمع يعتز بهويته ويواكب تحديات المستقبل.
التحديات التي واجهتها تغلبت عليها بدافع الإيمان بهذه الرؤية الطموحة، التي لا تترك مجالًا للجمود، بل تحثنا على الابتكار والتجديد.
والكاتب والكاتبة في زمن ولي العهد حفظه الله ليس فقط صانع كلمات، بل رافد فاعل في بناء المستقبل الثقافي والاجتماعي للوطن.
* هل هناك لحظة معينة شعرتِ فيها بالفخر الشديد تجاه أحد أعمالكِ أو تلقيه من قبل الجمهور؟
نعم، أشعر بفخر حقيقي حين تصل كلماتي إلى قلب القارئ،
وتتحول قصة أو فكرة في نصي إلى تجربة شخصية يعيشها معه.
هذه اللحظة هي التي تجعل كل جهد الكتابة يستحق العناء.
* ما هي مشاريعكِ القادمة أو الأفكار التي تعملين عليها حاليًا؟ وما الذي يمكن أن يتوقعه قراؤكِ منكِ قريبًا؟
حالياً أركز على مشروع جديد راح ينال اعجاب الجميع بإذن الله تعالى
أما قرائي يمكنهم توقع أعمال تحمل صدق المشاعر، وتطرح أسئلة تلامس واقعهم وتلهمهم نحو التغيير.
باختصار، القادم سيكون صوتًا جديدًا يعكس نبض المرأة في زمننا.
* ما هي نصيحتكِ للكتّاب الشباب والمبتدئين الذين يحلمون بنشر أعمالهم وتحقيق النجاح؟
ابدأ بالكتابة بصدق مع نفسك أولًا، لا تنتظر الإلهام المثالي.تعلم من كل تجربة، ولا تخف من الفشل، فهو جزء من الطريق.احرص على القراءة المستمرة، واحتضن النقد كفرصة للنمو.وأهم شيء: اجعل صوتك فريدًا، لأن العالم يحتاج لكلامك أنت فقط.
* في كلمة أخيرة، ماذا تودين أن تقولي لقرائكِ ومحبيكِ؟
أتقدم بخالص الشكر والامتنان للصحفية الكريمة على إتاحة هذه الفرصة الثمينة للتواصل مع القراء.
كما أتوجه بعظيم التقدير للمجتمع الكريم الذي يحمل في طياته مصدر إلهامي وقوة دفعي المستمرة.
ولا يفوتني أن أعبر عن عميق الامتنان والاعتراف بالدور الكبير للقيادة الرشيدة التي ترعى الثقافة، وتدعم الإبداع، وتمهد الطريق لمستقبل أفضل لوطننا الغالي.
كل الشكر لكل من كان جزءًا من هذه الرحلة، وأسأل الله أن نحقق معًا مزيدًا من التقدم والازدهار.