حين نعتزل ما يؤذي

بقلم لمياء المرشد
ما عاد في العمر متّسع للعتاب،
كبرنا، وبلغنا من التعب ما يجعلنا نلوذ بمنطقة العقل… تلك المساحة الهادئة التي يخيم فيها الصمت، ويعلو فيها صوت السلام على صراخ الانفعالات.
اعتزلنا الضجيج، لا لأننا لا نُجيد الرد، بل لأننا نُجيد حفظ ما تبقى من أرواحنا. لم نعد نركض خلف التبرير، ولا نسكن دوائر الشرح المتكرر. اكتشفنا أن الطمأنينة تسكن في الصمت، في الاختصار، في الغياب أحيانًا.
صرنا نغلق الأبواب بهدوء، نغادر دون ضجيج، ونمضي دون أن نلتفت.
لا نخاصم، لا نعاتب، لا ننتظر من يلتفت إلينا أو يفهمنا… أدركنا أن بعض المسافات رحمة، وأن بعض الانسحاب إنقاذ.
نعتزل ما يؤذي، لأننا اخترنا أنفسنا أخيرًا، وقررنا ألا نكون ساحة لكل من يهوى العبث بمشاعر الآخرين.
صرنا نرتّب الداخل لا الخارج، نُهندس سلامنا الخاص، ونبني جدران الراحة حول قلوبنا.
لقد تعبنا من التفاصيل التي تُرهق الروح، ومن العلاقات التي تستهلك فينا أجمل ما فينا.
أصبحنا نُسامح بصمت، ونرحل بصمت، ونُحب من بعيد… ونُغلق كل الأبواب التي تأتينا برياح القلق والخذلان.
نُسامح لا ضعفًا، بل نُسامح لأننا لا نريد حمل الأذى، ولأن قلوبنا المثقلة قد اكتفت.
الاعتزال ليس هروبًا… بل وعيٌ ناضج يقول لنا:
هنا تقف، وهنا تحمي نفسك، وهنا تبدأ الراحة