حين يبتسم الأب رغم الألم

 

بقلم الكاتبة: منيرة لافي الحربي

رغم كل ما مرّ به قلبه من خيباتٍ،

ورغم ما خبّأته الأيام له من وجعٍ،

إلا أنه اليوم يبتسم…

ابتسامة لا تشبه ابتسامات الأمس،

تخرج من عمق الجرح،

كزهرةٍ شقّت طريقها بين الصخور،

تقاوم لتقول: ما زلتُ هنا… وما زال في القلب نبضٌ للحياة.

تغمره فرحة أبنائه،

فتغدو دموعه صلاة شكرٍ صامتة،

يُخفي ألمه خلف نظرة فخرٍ ودمعة رضا،

وكأنه يهمس لنفسه في صمتٍ يعرفه وحده:

«يكفيني أني شفت فرحتكم…»

هو الذي داوى جراحه بالصبر،

وجفّف أنهاره ليُروي عطش الآخرين،

قدّم من طيبه ما لم يحتفظ به لنفسه،

وأحبّ بصمتٍ، وعاش بكرامةٍ،

وتحمّل في سبيلهم وجع الطريق الطويل.

واليوم، حين يرى الفرح يملأ ملامحهم،

يشعر أن عمره لم يذهب سدى،

وأن كل تعبٍ كان يمهد لهذا المشهد الجميل،

حيث يلتقي الألم بالفرح،

وتتصالح الروح مع وجعها القديم.

كم هو عظيم قلب الأب حين يفرح لأبنائه حتى وهو موجوع،

وكم هو نبيل حين ينسى حزنه ليُفسح للبهجة مكانها،

يبتسم والحنين يلسع قلبه،

ويبدو في عينيه مزيجٌ من الكبرياء والتعب،

من الفخر والوداع،

من فرحٍ ودمعةٍ لم تجد طريقها إلى الخد.

نبارك لذلك القلب الكبير،

الذي علّمنا أن الرجولة ليست صلابةً،

بل احتواءٌ وصبرٌ وعطاءٌ بلا مقابل.

قلبٌ عاش مخلصًا،

ولم يعرف سوى النُبل طريقًا،

ولا اتخذ سوى الصبر سلاحًا،

ولا نطق إلا بما يليق بالعزة والشهامة.

ورغم كل ما كان من وجع،

ما زال يزرع الفرح في وجوه من يحب،

ويُزهر رغم الدموع،

ويبتسم رغم كِبر الجروح وغربة الروح…

لأنه ببساطة:

هو الأب…

هو المعنى الذي لا يتكرّر،

والضوء الذي يبقى حتى حين تنطفئ كل الأنوار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com