درس في المودة والعدل

بقلم ابراهيم النعمي
في حياة كل زوجين، تمر مواقف تكشف معدن كل منهما، وتُظهر مدى وعيه، حكمته، وعدالته. ليست الحياة الزوجية مجرد مشاعر حب واحترام بين الطرفين، بل هي أيضًا مسؤولية أخلاقية واجتماعية تجاه عائلة كل منهما. ومن تلك الزوايا التي يغفلها البعض، نجد العلاقة بين الزوجة وأهل الزوج، أو العكس، إذ تصبح ميدانًا لاختبار صدق المشاعر وسعة الصدر.
في إحدى الأسر، أحب الزوج زوجته وأكرمها، وبادلته الاحترام والمودة، إلا أنها كانت تُبدي جفاءً واضحًا تجاه أهله، لا عن كراهية، بل ربما عن جهلٍ أو ضعف في التقدير. فقرر الزوج أن يُعلّمها درسًا، لا بالصوت العالي ولا باللوم، بل بالفعل الهادئ والعقل المدبّر.
طلب منها في أحد الأيام أن تُعد طعام الغداء لأهله الذين اشتاق إليهم، وأراد دعوتهم للبيت بعد غياب طويل. لكن الزوجة قابلت طلبه بالضيق والتبرم، بل ورفضت الطبخ، وأصرت على أن يأكلوا من بقايا طعام الأمس، تمامًا كما تفعل مع أهلها أحيانًا. وتعلّلت بأنها غير مستعدة، وأن أهله ليسوا ضيوفًا يستحقون التكلف.
خرج الزوج من البيت غاضب الوجه، بينما تخفى خلف ذلك الغضب ابتسامة من يعرف ما يفعل. وبعد وقتٍ قصير، طُرق باب المنزل، وإذا بوالد الزوجة، وإخوتها، وأخواتها، وأولادهم يدخلون في فرحة غامرة. استقبلتهم الزوجة بدهشة: من دعاهم؟! ليجيبوا: “زوجك هو من دعانا”.
أسرعت الزوجة تتصل به، تطلب منه أن يُحضر لهم غداءً يليق بهم، فيرد عليها بهدوءٍ قاطع:
“أطعميهم من بقايا طعام الأمس، فهم ليسوا غرباء… إنهم أهلك، مثلما أهلي ليسوا غرباء”.
في تلك اللحظة، أدركت الزوجة حجم الخطأ الذي ارتكبته. شعرت بطعم المعاملة التي اختارتها لأهل زوجها، حين انعكست عليها تمامًا.
هذا الموقف يُلخّص جوهر كثير من المشاكل الزوجية التي تبدأ من سوء الفهم وسوء التقدير لأهل الطرف الآخر. لكنه أيضًا يُجسد معنى أسمى: لا تعامل الناس بما تشتهي، بل بما تحب أن تُعامَل به.
وهنا يُضيء الهدي النبوي هذا المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم:
“والذي نفس محمد بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”،
وفي قوله الآخر:
“أنزلوا الناس منازلهم”.
ليست المشكلة أن نخطئ، بل أن نُصر على الخطأ دون أن نُبصر أثره. والدرس الحقيقي لا يُتعلّم بالكلمات وحدها، بل بالمواقف. وهذا الزوج بحكمته، لم يُعنّف، بل قدّم تجربة عملية تُنقش في الذاكرة، لتُثمر وعيًا ومحبة وعدلًا يدومان.
فليكن هذا الموقف تذكرة لكل زوجة وزوج:
كما تحبين لأهلك التقدير، أحبّيه لأهل شريكك، فالحب الحقيقي لا يُجزّأ.