دور القرآن والسنة في تحضُّر ومدنية المجتمع الإسلامي والفهم الصحيح للإسلام

بقلم / مضاوي دهام القويضي

كاتبة ومحررة صحفية سعودية

القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأساسيان اللذان شكّلا هوية المجتمع الإسلامي وأسّسا لحضارته ومدنيته. فقد كان لهما دور جوهري في بناء منظومة القيم، وإرساء العدل، وتحقيق التوازن بين الروح والمادة، مما جعل الإسلام دينًا صالحًا لكل زمان ومكان، وقادرًا على النهوض بالمجتمعات نحو التحضر والرقي.

التحضر والمدنية في الإسلام

التحضر في الإسلام لا يقتصر على التقدم المادي فحسب، بل يشمل أيضًا القيم الأخلاقية والإنسانية التي تحفظ حقوق الأفراد والمجتمعات. فقد جاء القرآن الكريم بتشريعات تنظم حياة الإنسان وفق العدل والمساواة، كما حفّز على العلم والعمل، مما أدى إلى ازدهار العلوم في الحضارة الإسلامية. يقول الله تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: 114)، مما يدل على أن السعي للعلم فريضة على كل مسلم، وهو أساس كل تحضر ومدنية.

أما السنة النبوية، فقد قدّمت نموذجًا عمليًا يُجسّد تعاليم القرآن، فكان النبي ﷺ قدوة في الأخلاق، والتعامل الراقي، والتخطيط الحضاري، كما أنه أرسى مبادئ الشورى والعدالة الاجتماعية، مما ساهم في نهضة الدولة الإسلامية المبكرة. ومن أمثلة ذلك وثيقة المدينة، التي تعدّ من أوائل الدساتير التي نظّمت العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع المدني.

القيم الحضارية التي غرسها القرآن والسنة

العلم والتقدم: دعا الإسلام إلى طلب العلم ورفع مكانة العلماء، مما جعل المسلمين روادًا في شتى العلوم خلال العصور الذهبية. {إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}

العدل والمساواة: أكد القرآن على مبدأ العدل

فمن العدل والمساواة

قد أكد القرآن الكريم على مبدأ العدل كقيمة أساسية في بناء المجتمع، حيث قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ (النحل: 90)، مما يبرز أهمية إقامة العدل في كل نواحي الحياة. وقد جسّد النبي ﷺ ذلك في معاملاته، حيث لم يفرق بين الناس على أساس العرق أو النسب، بل جعل التقوى معيار التفاضل، فقال: “لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى”.

الرحمة والتسامح

غرس الإسلام في أتباعه قيم الرحمة والتسامح، وهو ما يظهر في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107). وقد ضرب النبي ﷺ أروع الأمثلة في التسامح، حيث عفا عن أهل مكة بعد فتحها، قائلاً: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. هذا التسامح ساعد في نشر الإسلام وحفظ السلم الاجتماعي.

العمل والإنتاج

القرآن والسنة شددا على قيمة العمل وأهميته في بناء المجتمعات، قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾ (التوبة: 105). كما شجع النبي ﷺ على الكسب الحلال، وقال: “ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده”. وهذا ما جعل المسلمين عبر العصور قادة في العلوم والصناعات.

التكافل الاجتماعي

اهتم الإسلام بتعزيز التكافل بين أفراد المجتمع، ففرض الزكاة وشرع الصدقات، فقال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ (الإنسان: 8). وكان النبي ﷺ قدوة في مساعدة المحتاجين، مما أسهم في استقرار المجتمعات الإسلامية.

كلمة أخيرة ..

لقد كان للقرآن الكريم والسنة النبوية دور جوهري في ترسيخ قيم التحضر والمدنية في المجتمع الإسلامي، حيث جمعا بين العدل، الرحمة، العلم، والعمل، مما أدى إلى نشوء حضارة إسلامية زاخرة بالإنجازات، قادرة على تحقيق التوازن بين الماديات والروحانيات، لتكون نموذجًا يُحتذى به في كل العصور.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى