صرخة في هذا الزمن

بقلم / د. وسيلة محمود الحلبي

أواه يا زمن العجائب…
صرخة تخرج من أعماقي وأنا أراقب المشهد الثقافي والأدبي وقد اختلط فيه الحابل بالنابل، والسطحي بالرصين، والمستعار بالأصيل.
أصبح من يكتب خاطرة قصيرة على صفحات التواصل الاجتماعي يُلقَّب بـ الكاتب الكبير، ومن يجمع بضع جمل من هنا وهناك يُنادى بـ الأديب اللامع، ومن يرصّ كلماتٍ بلا روحٍ ولا وزنٍ يُمنح صفة الشاعر المبدع!

قلبي مع الأدباء الحقيقيين الذين أفنوا أعمارهم بين دفاتر الحبر، وبين سطور المعاجم، يكتبون القصص والروايات، يترجمون، ويؤلفون، فتزدان أعمالهم على رفوف أرقى المكتبات في العالم، تحمل الفكر والعلم والذوق الرفيع.

وعلى كُتاب المقالات بكل مدارسهم وألوانهم، السياسية منها والاقتصادية والأدبية والاجتماعية، الذين أغنوا الصحف والمجلات بآلاف المقالات التي شكّلت وعي أجيال، وأيقظت ضمائر، وصنعت فكرًا ناضجًا راقيًا.

ويحي على الشعراء الذين نظموا القوافي بصدق، فكتبوا للوطن، وبكوا للوجدان، وغنّوا للحياة، هؤلاء الذين نالوا ألقابهم عن جدارة، بعد عُمرٍ من التعب، وسنينٍ من الصبر، ومشوارٍ طويل من العطاء الفكري النبيل.

أما اليوم…
فقد أصبح اللقب يُمنح في يوم، ويُنتزع في لحظة، وأضحى الأدب سلعةً تُشترى وتُباع، وكأننا في عصر النسخ واللصق، عصر السطو على الكلمات، عصر كل شيء بخمس ريالات!

أين العمالقة من الكتّاب؟
أين فخامة اللغة؟
أين عمق الفكرة وجمال الأسلوب؟
أين ذاك الوجدان الذي كان يقطر صدقًا في كل نص؟

لقد غاب العمق وحضر البريق الزائف
وتوارى الفكر ليظهر الهاشتاق
وضاع الأدب بين زحمة المجاملات والضجيج الإلكتروني.

حقًا…
أشفق على أولئك الكبار الذين نحتوا أسماءهم بالحبر والدموع
وأشفق أكثر على هذا الجيل الذي صدّق أن الشهرة تغني عن الموهبة، وأن المتابعين بديلٌ عن القراء، وأن الإعجاب الإلكتروني شهادةُ إبداع!

صرختي اليوم ليست غضبًا… بل وجعٌ على أدبٍ يُحتضر
وثقافةٍ تُفرَّغ من معناها
وزمنٍ صار فيه كلٌّ على ليله سرى…

وعجبي!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى