“صوت الأنا: قوة الذات وتحدي الخوف”

عبد العزيز عطية العنزي
قالت لي ذات مرة: “فيكِ الكثير من الأنا”. حكمت عليّ من خلال كلمات كتبتها، ربما بدت لها متعالية، أو مليئة بالثقة الزائدة، أو ربما تراها نوعًا من التفاخر. لكنها لم تعلم أن تلك الكلمات لم تكن سوى تمردٍ على الخوف، وصرخة أخيرة لأنثى كانت تختبئ في الظلال، ثم قررت أن تخرج وتواجه العالم.
لا أنكر وجود “الأنا” في داخلي، بل أقر بأنها جزء من كياني. نعم، هي جزء لا يتجزأ مني، ولا أفزع منها. لكنها لم تكن يومًا أداة سائدة تُسخَّر لفرض نفسي على الآخرين، ولم تلبس ثوب الغرور، لا لأنه ضيق عليّ، بل لأنه ببساطة لا يتناسب مع جوهري. لم أتعالَ يومًا، ولم أرفض أحدًا، ولم أضع نفسي في موقع أعلى من الآخرين. ما قد يراه البعض نرجسية، أراه ببساطة نوعًا من الدفاع المشروع عن ذاتٍ كانت تتعرض للاختناق.
أدهشني كيف يتم رفض حضور “الأنا ” في كتاباتي، وكأنّ الثقة بالنفس عيب يجب أن يُخجل منه المرء. بل أراها صفة عظيمة، بل ضرورية. أكتب لتنهض تلك التي تشعر بالنقص، ليصبح الحرف مرآتها، فتخرج من ضباب الشك وتجد نفسها، وتدرك إمكانياتها الحقيقية. أؤمن أن الكتابة ليست مجرد كلمات على الورق، بل هي رحلة لاكتشاف الذات، وعملية مواجهة الخوف، وتحطيم قيود التردد.
الخوف ليس عيبًا، بل هو فطرة بشرية شهدتها أعظم النفوس قبلنا. فقد خاف نوح عليه السلام على ابنه من الغرق، فدعا له. وخاف يعقوب على يوسف من إخوته، لكن ذلك لم يمنعه من إرساله معهم. ومريم عليها السلام خافت من قومها، لكنها وقفت أمامهم حاملة ابنها في صبر وقوة. وأم موسى عليها السلام خافت من بطش فرعون، فاستجابت لوحي الله وألقت ابنها في اليم. حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما نزل عليه الوحي لأول مرة، انتابه خوف واضطراب. لكن ذلك الخوف كان طبيعيًا، ولم يكن يومًا عيبًا في العظماء.
لكننا اليوم نزرع في داخلنا خوفًا غير حقيقي، نخشى أشياء لم تحدث بعد، ونرتجف من نظرات لم تُوجه إلينا. نخفي في داخلنا رهبة، بينما نُظهر للعالم صورة قوية زائفة، سرعان ما تنكشف في ملامحنا وحركاتنا.
لذلك، دعوتي بسيطة: ربّ نفسك لا خوفك. قوِّ ثقتك بذاتك، ودع “آناك” تتحدث، تعبر عن نفسها، وتنهض. دع تلك “الأنا” تكون معلمة تزرع الثقة والتواضع في نفس الوقت. كن أنت، ولكن بدون تكبر. دع حضورك مشبعًا بالاحترام، وحديثك محاطًا بالحب، ومواقفك شاهدة على نبل شخصيتك.
إن كانت كتاباتي مليئة بـ”الأنا ”، فهي دروس مجانية لمن أراد أن يكتشف ذاته ويعيد بناءها. أول درس فيها: لا تخف. لأن الخوف المغلف بالحذر المبالغ فيه يقتل المغامرة ويطمس الطموح. “الأنا” الحقيقية تولد حينما نتجاوز حاجز الخوف، ونمنح أنفسنا الحق في المحاولة.
احذر أن تخلط بين “الأنا” والغرور؛ فالأولى هي قوة داخلية، بينما الثاني هو قبر للأحلام والطموحات. من يرى في “آناي” غرورًا، فليعد النظر في نفسه. لن أبرر له، ولن أطلب منه أن يفهمني، فآراؤه حرّة، وأنا حرة في أن أكون “أنا”… أو أن أكون “أنا” جديدة، أقوى، وأكثر وعيًا.