طفولتي الذهبية : رحلة في زمن البراءة والألعاب الشعبية
سمير الفرشوطي ✍️ المدينة المنورة
كلما تقدم بي العمر، وجدت نفسي أغوص في بحر الذكريات، أستعيد لحظات طفولتي الثمينة التي لا تُقدر بثمن. تلك الأيام الخوالي حين كانت البراءة تملأ قلوبنا، والفرح يغمر أرواحنا الصغيرة. كنا نعيش في عالم خاص بنا، لا نعرف فيه التفرقة بين ولد وبنت، فالجميع أصدقاء في ملعب الحياة.
أتذكر جيداً تلك الحارة التي كانت مسرحاً لمغامراتنا اليومية ، كانت الشوارع الضيقة تضج بضحكاتنا وصيحاتنا، ونحن نركض بين أزقتها بلا هموم أو مخاوف.
كنا نجتمع كل يوم، وكأننا على موعد مع السعادة، لنبدأ رحلتنا في عالم الألعاب الشعبية التي لا تنسى.
من بين تلك الألعاب التي كانت تملأ أوقاتنا، لعبة “السبع حجار”. كنا نجمع الحجارة بعناية، ونبني بها برجاً صغيراً، ثم ننقسم إلى فريقين. كان الهدف هو إسقاط البرج بالكرة، ثم إعادة بنائه قبل أن يتم اصطيادنا.
كم كانت تلك اللحظات مليئة بالإثارة والتحدي! ثم هناك لعبة “الحجلة” التي كانت تختبر توازننا ورشاقتنا. كنا نرسم مربعات على الأرض، ونقفز بين تلك المربعات على قدم واحدة، محاولين الوصول إلى النهاية دون أن نفقد توازننا.
كانت ضحكاتنا تملأ المكان كلما سقط أحدنا أو فقد توازنه. أما “الزقطة”، فكانت لعبة المطاردة المفضلة لدينا. كنا نركض بين الأزقة والشوارع، نختبئ خلف الأبواب والأشجار، ونحن نشعر بقلوبنا تخفق بشدة من الحماس والخوف اللذيذ من أن يتم اكتشافنا.
وكيف يمكنني أن أنسى “طاق طاق طاقية تلك الأغنية الجميلة التي كنا نرددها ونحن نجلس في دائرة، نخفي الطاقية خلف ظهورنا، ونحاول خداع بعضنا البعض. كانت لحظات مليئة بالمرح والضحك الذي لا ينتهي. “دق الحابي” كانت لعبة أخرى عزيزة على قلوبنا.
كنا نختبئ ونترك شخصاً واحداً ليبحث عنا. كان الفرح يغمرنا ونحن نراقب من مخابئنا، ونحاول الوصول إلى نقطة الأمان قبل أن يتم اكتشافنا. وأخيراً، “نط الحبلة”، تلك اللعبة التي كانت تجمع بين المهارة والإيقاع. كنا نقفز فوق الحبل المتأرجح، نغني ونضحك، ونحاول البقاء أطول فترة ممكنة دون أن نلمس الحبل.
اليوم، وأنا أرى الأطفال يلعبون في الشوارع، أشعر وكأن عقارب الساعة تعود بي إلى الوراء. أتذكر ذلك الماضي الجميل الذي عشته، تلك الأيام التي كانت فيها قلوبنا نقية وأرواحنا حرة. كانت طفولتي زماناً جميلاً، مليئاً بالبراءة والفرح والألعاب البسيطة التي علمتنا الكثير عن الحياة والصداقة والتعاون. في النهاية، أدرك أن تلك الذكريات هي كنز ثمين أحمله في قلبي.
فمهما تقدم بي العمر، ستظل طفولتي ملاذي الآمن، ومصدر إلهامي للفرح والبساطة في عالم اليوم المعقد. وكلما رأيت طفلاً يلعب، أشعر بالامتنان لتلك الأيام الذهبية التي شكلت شخصيتي وتركت في روحي أثراً لا يُمحى.