على مسرح الدنيا.. المشهد الثاني

بقلم / هيا عبد الجبار
وفجأة… التفتُّ حولي.
كانت هناك أفعى ضخمة، هادئة في ظاهرها، جاثمة على المدرج بجانبي.
لم أخَف، لكن حدسي استنفرني؛ أخذت أراقبها ببرود متيقظ، حتى بدأت تلتف حولي ببطء… تدور وتدور، كأنها تحيط بي بحبال من موت صامت.
كانت أفعى عجوز، متعبة الجسد، لكن عينيها تلمعان بشرّ متجدد.
جلدها ملوث بآثار الضحايا؛ بعضها قديم كآثار حرب منسية، وبعضها جديد ينزف، وبعضها الآخر لم أره بعد… لكنه قادم.
وحين اشتدت دورتها حولي، رأيت الموت يتساقط مع أثر زحفها على الأرض.
ارتجف قلبي، لكن قدميّ ثبتتا. لم أهرب. لم أستسلم.
رفعت رأسي، لأجد نفسي ما زلت في مقاعد مسرح العالم.
الستار مرفوع، والمشاهد تتوالى…
نساء يتقاتلن بضراوة؛ الغيرة تشتعل في أعينهن مثل جمر لا يبرد.
جمالٌ وقَبول وحب من الناس، خاصة من الرجال، جعل بعضهن يصبحن محاربات… ليس بالسيف، بل بالكيد والسم.
ألسن مسمومة، خطط مُحكمة لإقصاء الأخريات، لا لشيء سوى الخوف من سطوع جمالٍ آخر أو محبةٍ أعمق.
لكن الأيام – كعجلة الأفعى – تدور، لتعيد إليهن كأس السم الذي سقينه للبريئات.
ومن حفر حفرة… وقع فيها، ولو بعد حين.
وانغلق المشهد، قبل أن ينفتح على صيحة تمزق الصمت.
انفتح الستار مجددًا…
وحش بشري.. يجرّ امرأة بقوة، تصرخ حتى تزلزل جدران المكان.
لماذا؟
هل كان ذلك شهوة بهيمية؟
أم غياب وعي تحت سُكرٍ وخمر؟
أم سموم مخدرات سلبت منه إنسانيته؟
انتهى منها ، ثم قتلها، وحاول أن يخفي جسدها، مدركًا في أعماقه أن الشر لا يختبئ طويلًا… وأن نهايته تقترب، وإن مشى إليها مختارًا، يزين له الشيطان الطريق.
وفي مشهدٍ آخر ..تاجرُ سلّم متجره الكبير ليد أمينة – كما ظن – فإذا بها يد شيطان في هيئة إنسان.
سرقة، نصب، أكل حقوق الناس وحق سيده، حتى انهار المتجر، لأن النية من البداية كانت فاسدة، بلا ضمير ولا خوف من عين الخالق.
وعلى هذا المسرح العظيم، رأيت البشر يقتتلون، ينسجون المكائد، يبيعون ويشترون بالشر:
اختطاف، حروب، كذب، طمع، زنا، شعوذة، تفريق بين القلوب…
والله يراقبهم جميعًا، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يمهلهم لعلهم يعودون، أو يعجل لهم العقوبة فلا يفلحون أبدًا.
وارتد في أذني صدى الآية:
﴿وقال اهبطوا منها بعضكم لبعض عدو﴾.
أدركت عندها… أن الأفعى ما زالت قريبة
انتظرونا في مشهدٍ قادم