عيد الفطر: الفرحة التي تجمع الأجيال وتعيد الذكريات

بقلم: عبدالرحمن العامري
حين يوشك هلال رمضان على المغيب، وتختلج القلوب بفرح منتظر، يبدأ موسم الروحانيات بلمسة من الفرح السامي، ويصل ذروته مع حلول عيد الفطر الذي يُعيد إلينا ذكريات الطفولة ويجمعنا على المحبة والتآخي.
منذ أولى ليالي رمضان، تبدأ البيوت في الاستعداد لاستقبال الشهر الفضيل، فتتزين الشوارع والمنازل بالفوانيس والأضواء، وتصدح المساجد بنداءات التراويح التي تدعو إلى التقرب إلى الله.
تتجمع العائلات حول موائد الإفطار والسحور، وتملأ الخيام والمجالس الرمضانية الأجواء بعبق المودة والكرم، حيث يُشارك الجميع ما لديهم من طعام وحكايات تعكس تراث المجتمعات العربية والإسلامية العريقة.
ومع تتابع أيام الشهر، تنتقل الأجواء تدريجيًا من جو العبادة إلى فرحة الاحتفال بالتراث الشعبي؛ ففي الأسابيع الأخيرة من رمضان، تظهر تقاليد لا تنسى مثل “القِرْقِيعان” أو “القُوقْرِيس” أو “الحَوَّامة”، وهي احتفالات متوارثة تختلف مسمياتها من بلد لآخر، لكن روحها واحدة؛ يخرج الأطفال وهم يرتدون أبهى ملابسهم المزينة، حاملين أكياس الفرح، يتجولون بين بيوت الجيران والأقارب، ينشدون أهازيج الطفولة وأغاني الفرح، طالبين الحلوى والمكسَّرات التي يوزعها الكبار بكل سرور وكرم. هذا التقليد الذي يجمع بين البهجة والتواصل الاجتماعي يترك أثرًا عميقًا في نفوس الصغار ويعيد للحاضر عبق الذكريات الجميلة.
مع اقتراب نهاية رمضان، تكتمل الاستعدادات لاستقبال العيد؛ إذ يبدأ المسلمون بإخراج زكاة الأموال في العشر الأواخر، تليها زكاة الفطر التي تُعتبر رمزًا للتكافل الاجتماعي، لتصل فرحة العيد إلى كل بيت، ولتشعر كل فئة من المجتمع بدفء التضامن والعطاء.
يحين صباح العيد مع بزوغ أول ضوء، فتعلو تكبيرات الفجر في المساجد والمصليات، وتتجمع القلوب على صلاة العيد الجامعة التي تعكس وحدة الأمة وإيمانها العميق. بعد الصلاة، يتوجه الجميع للإجتماع في البيوت أو يجتمعون في ساحات الحي، حيث تفوح رائحة القهوة العربية مع التمر والمعمول والحلويات وتناول الفطور في لقاءات جماعية مليئة بالمودة والتراحم. تتبادل الأسر والجيران المعايدات، وتنتقل الزيارات بين البيوت في طقس متوارث يُعبّر عن دفء العلاقات الإنسانية وروح الأخوة.
وفي الشوارع، تزداد أضواء البهجة مع تزيين الميادين والمرافق العامة بزينة العيد المبهجة، وتُقام الفعاليات الرسمية التي تنظمها الجهات المعنية في المدن؛ حيث تمتد الاحتفالات لثلاثة أيام تشمل عروض الألعاب النارية، والمهرجانات الشعبية، والعروض الفنية التي تُضيف لمسة احتفالية تُضفي مزيدًا من البهجة على الأجواء. كما لا تكتمل فرحة العيد دون العيديات؛ تلك اللفتة المحببة التي تُدخل البهجة في قلوب الأطفال، إذ يتلقون النقود أو الهدايا من الكبار، مما يجعل العيد ذكرى سعيدة لا تُنسى.
عيد الفطر هو أكثر من مناسبة عابرة؛ إنه تتويج لشهرٍ من العبادة، وهو يوم تلتقي فيه القلوب وتتجدد فيه الروابط الاجتماعية، حيث تُنسج الذكريات الجميلة مع كل لقاء وتتصافى القلوب من كل خلاف. إنه يوم يجمع بين الروحانية والتراث، بين العطاء والفرح، ليذكرنا دومًا بأن الخير والمحبة قادران على تلوين الحياة بأجمل الألوان.
كل عام وأنتم بخير، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات.