في مرآة الدراما السعودية:فتاة تمردت عن الواقع،والشاب غير كفئ للزواج.

الإعلامية:منى الحميد
التمثيل ليس مجرد حفظ حوار أو تأدية مشهد، بل هو حالة من التقمّص التام، يعيش فيها الممثل داخل الشخصية حتى يجعلنا نُصدق كل تفاصيلها ونشعر بما تمرّ به. والممثل الناجح هو من يجعلنا نغوص في العمق، ننسى أنه يؤدي دورًا، ونراه كما لو كان هو الشخصية ذاتها.
وهنا تتألق الدراما السعودية، التي أثبتت أنها ليست دراما “نجوم” بقدر ما هي دراما “صانعة للنجوم”. فهي لا تراهن على الأسماء الكبيرة فقط، بل تفتح المجال أمام وجوه جديدة أو مغمورة، تقدم أداءً لافتًا، ينبع من الموهبة أولًا وليس من الشهرة. وكل عام، تقدم لنا هذه الدراما نماذج مبهرة تؤكد أن الساحة الفنية السعودية تشهد نضجًا وتحولًا حقيقيًا.
ومن خلال متابعتي لعدد من المسلسلات السعودية، وجدت في كل عمل روحًا مختلفة وقضايا تستحق التوقف:
• مسلسل “عمتي نوير”: عمل يجسد واقعًا مؤلمًا تعيشه بعض الأسر، حيث تتغلب الماديات على روابط الدم، ويتحكم الطمع في مصائر الناس. نوير، البطلة، امرأة لا ترى في قلبها رجلًا سوى والدها المكافح، المتواضع، القنوع، الذي حاول إصلاح أبنائه لكنه رحل وترك لها مشعل القيم. تكمل نوير المسيرة بقوة عاطفتها، في مواجهة الطمع وسطوة المال، في عمل إنساني صادق ومؤثر.
• “ليالي الشميسي”: مسلسل يأخذنا إلى أواخر الثمانينات في حي الشميسي بالرياض، ليرصد تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة، ويطرح قضايا الهوية والانتماء، والتصادم بين الماضي والحاضر. كما يتناول قضية الميراث، والارتباطات العائلية المعقدة، في سرد درامي واقعي يلامس فترات زمنية حساسة.
• “شارع الأعشى”: عمل مقتبس من رواية “غراميات شارع الأعشى ” للكاتبة بدرية البشر، ويتناول احداث حقبة السبعينات رغم وجود بعض الملاحظات على الصورة النمطية لبعض الشخصيات، مثل الأب المتسلط، والفتاة المتمردة، والشاب غير المؤهل للزواج، إلا أن العمل استطاع أن يحقق نجاحًا جماهيريًا واسعًا في الخليج. الموسيقى التصويرية أضافت أجواء عاطفية عميقة، والإنتاج كان عالي الجودة. اللافت في هذا العمل هو اعتماده على جيل شاب وموهوب، أظهر إمكانات كبيرة تعكس تطورًا فنيًا ملحوظًا في المشهد السعودي.
في النهاية، الدراما السعودية تمضي بخطى واثقة نحو نضج فني حقيقي، لا يعتمد فقط على الأسماء اللامعة، بل يُراهن على الموهبة والواقع والقصص التي تمس الناس. هي دراما تحكي بصدق، وتترك أثرًا، وتصنع نجوماً من عمق التجربة وليس من سطح الشهرة. ومع كل عمل جديد، نزداد يقينًا بأن المستقبل يحمل المزيد من التألق والإبداع لهذا المشهد الفني المتجدد