قصة بدوي عاش بالجوف: في عبق نفودها وبين جداول مزارعها

عبدالعزيز عطية العنزي
افتحي يا رياح الجوف أبوابك، ودعي عطر المسك ينتشر عند بوابة النفود، وبين جداول مزارعها، عبيرًا يلامس رمالها الذهبية. هنا، حيث تتراقص الكثبان على أنغام السكون، عاش بدويٌّ لم يعرف للحياة معنى إلا بين المراعي الخضراء التي تفترش الأرض بعد كرم السماء.
روحه متجذرة في هذه الأرض الطيبة، يحمل في طياتها حكايات الأجداد وأصداء قوافل السنين. كان يستقبل زخات المطر بقلب يرقص فرحًا، فكل قطرة ماء هي حياة جديدة تنبض في عروق الفياض. كانت قطرات المطر تغسل روحه كما تغسل الأتربة عن الزهر، وتجدد فيه الأمل والعزيمة، وتنعش جداول المزارع لتُروى الأرض وتُثمر.
كانت نجوم الليل رفيقات دربه، يهتدي بنورها في بيداء لا نهاية لها. ينام تحت قبتها الزرقاء اللامعة، ويصحو على تراتيل الشمس وهي تلقي أشعتها الذهبية على خيمته، معلنة عن يوم جديد من الكفاح والصبر. لم يكن يبحث عن قصور أو مظاهر براقة؛ فمملكته كانت هذه الصحراء الشاسعة، وثراؤه كان في قوة تحمله وعشقه للطبيعة البكر التي لا تزال تحتضن جداول المياه التي شقت طريقها بين نخيل الجوف وزيتونها.
هو جزء لا يتجزأ من هذه الأرض، شاهد على تاريخها العريق، وحافظ على أصالتها التي تتجلى في كل زاوية من زوايا الجوف، من كثبان نفودها الشاهقة إلى خضرة مزارعها الغناء. وفي كل نسمة هواء تحمل عبق المسك من بوابة النفود، تستحضر روح ذلك البدوي، لتروي قصة عشق أزلي بين إنسان تجذّر في أرضه، وبين طبيعة وهبته الحياة والحكمة، ورزقته من خيراتها الوفيرة.