قصة مدمن مخدرات: ظل في المتاهة

عبدالعزيز عطيه العنزي 

كان أحمد شابًا مليئًا بالحياة. عيناه تلمعان بفضول لا ينتهي، وضحكته تملأ المكان بهجة. كان لديه أحلام كبيرة: أن يصبح مهندسًا ناجحًا، أن يسافر حول العالم، وأن يبني عائلة سعيدة. لكن القدر، أو ربما قراراته الخاطئة، قادته إلى طريق لم يتخيل يومًا أنه سيسلكه.

بدأ الأمر بسيطًا، مجرد تجربة بدافع الفضول مع مجموعة من “الأصدقاء الجدد” في الجامعة. حبة هنا، جرعة هناك. في البداية، شعر وكأنها تفتح له أبوابًا لعالم آخر، عالم بلا قلق أو مسؤوليات، عالم من النشوة اللحظية. كانت مجرد “راحة مؤقتة”، هكذا أقنع نفسه.

لكن الراحة المؤقتة سرعان ما تحولت إلى قيد، والقيد إلى سجن. بدأ أحمد يلاحظ التغيير في نفسه. فقد اهتمامه بدراسته، تراجعت درجاته، وتجنب عائلته وأصدقاءه القدامى الذين حاولوا التحدث معه. أصبح جسده يطلب المزيد، وعقله لا يفكر إلا في الجرعة التالية.

كانت والدته أول من لاحظ التغيير الجذري. عيناه الغائرتان، وجهه الشاحب، ونوبات الغضب التي لم تكن من سماته. حاولت التحدث معه، توسلت إليه، لكن إدمان المخدرات كان قد نسج شبكته حول أحمد بإحكام. تحول المنزل الذي كان مليئًا بالدفء إلى ساحة معركة صامتة. الجدالات تزداد، والآمال تتلاشى.

خسر أحمد وظيفته التي حصل عليها بشق الأنفس بعد تخرجه. لم يعد قادرًا على التركيز، أو الالتزام بالمواعيد. المال الذي كان يكسبه ذهب جميعه لشراء السم الذي كان يدمر حياته. بدأ يبيع ممتلكاته الثمينة، ثم بدأ يقترض من هنا وهناك، ووصل به الحال إلى التفكير في طرق لم يكن ليتخيلها في يوم من الأيام للحصول على “الجرعة”.

ليلة من الليالي، وجد أحمد نفسه وحيدًا تمامًا في زاوية شارع مظلم. البرد يتسلل إلى عظامه، والجوع ينهش أحشاءه. نظر إلى يديه المرتعشتين، وإلى صورته التي انعكست في بركة ماء قذرة. لم يتعرف على ذلك الشخص المنهك، المليء بالندوب، الذي يحدق به. تذكر والدته، تذكر أحلامه، وشعر بوابل من الندم يغمر روحه.

كان ذلك هو القاع. نقطة التحول التي كانت إما أن تنهيه، أو تمنحه فرصة للنهوض. في تلك اللحظة، شعر بوميض من الأمل، شعرة رفيعة جدًا ولكنه تمسك بها بكل قوته المتبقية. قرر أن يطلب المساعدة.

طريقه إلى التعافي لم يكن سهلًا أبدًا. كانت كل خطوة عبارة عن صراع، انسحاب مؤلم، ويأس يحاول أن يبتلعه مرة أخرى. دعم عائلته، وخاصة والدته التي لم تتخل عنه، كان حبل النجاة. انضم إلى برنامج علاجي، وتلقى الدعم النفسي، وبدأ ببطء شديد في استعادة أجزاء من ذاته التي كان يعتقد أنها فقدت إلى الأبد.

مرت سنوات. اليوم، أصبح أحمد شخصًا مختلفًا. لا يزال يحمل ندوب الماضي، لكنها لم تعد تحدده. أصبح متحدثًا ملهمًا في مجموعات الدعم، يشارك قصته المؤلمة مع الآخرين، ليس ليثير الشفقة، بل ليمنح الأمل. يتعلم كل يوم، يعمل بجد، ويسعى لتعويض ما فاته. قصته لم تعد مجرد قصة إدمان، بل قصة نجاة، قصة مقاومة، وشهادة على أن الأمل موجود دائمًا، حتى في أحلك الظلمات.

 

قصة نسجتها من الخيال. ولا كنها قريبة من الحقيقة 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com