كلنا صحفيون: فوضى المعلومات في حرب إيران وإسرائيل

عبدالعزيز عطيه العنزي
في خضم التوتر الأخير بين إيران وإسرائيل، ومع كل تطور جديد، نجد أنفسنا أمام سيل جارف من المعلومات التي تنهال علينا من كل حدب وصوب. لم تعد منصات الأخبار التقليدية هي المصدر الوحيد، بل تحول كل منا، عن قصد أو غير قصد، إلى ناقل للمعلومة. فبلمسة زر، تنتقل الأخبار، الشائعات، والتحليلات عبر واتساب، تويتر، تيك توك، وغيرها من المنصات، ليصبح الكل “صحفياً” ينقل دون تمحيص، ويشارك دون تحقق.
هذه الظاهرة، وإن كانت تعكس ثورة في حرية تداول المعلومات، إلا أنها تحمل في طياتها مخاطر جسيمة، خاصة في أوقات الأزمات والحروب. ففي سياق التصعيد الإيراني الإسرائيلي، شهدنا انتشاراً واسعاً لأخبار غير مؤكدة، صور وفيديوهات قديمة أو مفبركة، وتكهنات تُقدم على أنها حقائق. والمقلق في الأمر هو أن هذه المعلومات، بغض النظر عن مدى صحتها، تساهم في تشكيل الرأي العام، وتؤجج المشاعر، بل وقد تؤثر على القرارات السياسية والاقتصادية.
غياب المصدر: الخطر الأكبر
المشكلة الجوهرية تكمن في غياب المصدر الموثوق. فغالباً ما تصلنا الرسائل بصيغة “وصلني” أو “يقال أن”، أو يتم تداولها دون أي إشارة إلى الجهة التي نشرتها أو الدليل الذي يدعمها. هذا النقص في التوثيق يجعل من الصعب جداً التمييز بين الخبر الصحيح والشائعة، بين التحليل المنطقي والتأويل الشخصي. وفي عصر باتت فيه المعلومات سلاحاً، فإن تداول الأخبار المضللة أو غير الدقيقة يمكن أن يكون له عواقب وخيمة.
لماذا يحدث هذا؟
هناك عدة عوامل تساهم في تفاقم هذه الظاهرة:
* سرعة الانتشار: المنصات الرقمية مصممة لتسهيل وسرعة مشاركة المحتوى، مما يجعل من الصعب التحكم في تدفق المعلومات.
* الرغبة في السبق: يسعى الكثيرون ليكونوا أول من ينقل الخبر، حتى لو كان ذلك على حساب الدقة.
* تأثير العاطفة: في أوقات التوتر، تسود العاطفة على العقلانية، مما يجعل الأفراد أكثر عرضة لتصديق وتداول الأخبار التي تتوافق مع ميولهم أو مخاوفهم.
* ضعف الثقافة الرقمية: يفتقر الكثيرون إلى المهارات اللازمة للتحقق من مصداقية المعلومات عبر الإنترنت.
كيف نحمي أنفسنا ومجتمعاتنا؟
أمام هذا الواقع، تقع المسؤولية على عاتق كل فرد منا. لم يعد كافياً أن نكون مجرد متلقين أو ناقلين، بل يجب أن نتحول إلى مستهلكين واعين ومسؤولين للمعلومات. إليك بعض الخطوات الأساسية:
* تحقق من المصدر: قبل أن تصدق أي خبر أو تشاركه، اسأل نفسك: من أين جاء هذا الخبر؟ هل هو من جهة إخبارية موثوقة ومعروفة؟
* ابحث عن مصادر متعددة: لا تعتمد على مصدر واحد. حاول البحث عن الخبر نفسه في عدة منصات إخبارية معروفة ومحايدة.
* شكك في العناوين المثيرة: غالباً ما تلجأ الشائعات إلى عناوين صادمة لجذب الانتباه.
* انتبه للتواريخ والصور: تأكد من أن الصور والفيديوهات جديدة وتتعلق بالحدث الفعلي، ولا تتردد في استخدام أدوات البحث العكسي للصور للتحقق منها.
* فكر قبل أن تشارك: تذكر أن مشاركتك لخبر غير دقيق قد تساهم في تضليل الآخرين وتأجيج الأوضاع.
في نهاية المطاف، المعركة الحقيقية في أوقات الأزمات ليست فقط على أرض الواقع، بل هي أيضاً معركة معلومات. وبقدر ما نكون مسؤولين في تعاملنا معها، بقدر ما نساهم في بناء مجتمع أكثر وعياً وقدرة على مواجهة التحديات.