لا تأمن جاهلًا… خطرٌ يهدد القيمَ والعقول

 

بقلم: د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

لا تأمن جاهلًا؛ فإن الجهل آفةٌ مدمّرة، تطال القيم قبل الأجساد، وتنسف المبادئ التي بُنيت عبر سنواتٍ من الحكمة والصبر في لحظةِ طيشٍ عابرة.

إن خطر الجاهل لا يكمن في جهله فحسب، بل في إصراره على ما يجهله، واعتقاده الوهمي بأنه على صوابٍ فيما لا يُحسنه.

كم من قيمةٍ نبيلةٍ مزّقها جهلٌ أرعن، وكم من مشروعٍ عظيمٍ انهار تحت وطأة قراراتٍ طائشة، وكم من أُسرةٍ مستقرةٍ تهاوت بسبب كلمةٍ لا تُدرك عواقبها، أطلقها جاهلٌ لا يقدّر المسؤولية.

الجاهل كسفينةٍ بلا دفّة ولا بوصلة؛ تتخبّطها أمواج الحماقة، وتسير في كل اتجاهٍ إلا الصواب، تهوي بمن فيها إلى الغرق، دون أن تُدرك أنها تمضي إلى الهلاك، لا إلى النجاة.

فلا تُهدر وقتك في مجادلته، ولا تعرض مصالحك لطيشه، واجعل لنفسك مسافة أمان؛ فالحذر منه فطنة، والابتعاد عنه وقاية.

ومن أسوأ صور الجهل أن يتزيّا الجاهل بثياب العالم، ويتصدر المجالس كأنه مرجعٌ يُحتكم إليه، فيخلط الأمور، ويُلبس الحق بالباطل، ويفسد أكثر مما يُصلح.

فليس كل من تكلّم يُصغى إليه، ولا كل من رفع صوته امتلك حجة، وكم من الناس خُدعوا بمظاهر العلم الزائفة؛ لأنهم جهلوا الجهل المتخفي خلف ستار الادّعاء.

الجهل لا يُقاس بقلة المعرفة فقط، بل يشمل سوء الفهم، وضيق الأفق، والجمود على الرأي، ورفض النصيحة، والانبهار بالرأي الذاتي.

وهذه كلها بواباتٌ للهلاك الفردي والجماعي؛ إذ الجاهل لا يُبصر العواقب، ولا يُفرّق بين المصلحة والمفسدة، ولا يُحسن اختيار الوقت، ولا يُقدّر المآلات.

وقد قيل في الأثر: “الجاهل عدوُّ نفسه، فكيف يكون صديقًا لغيره؟”

وقال الشاعر:

> إذا الجاهِلُ استعلى، وألقى بكِبْرِهِ

فصوتُ الحليمِ الصامتِ أبلغُ حُجَّةِ

والعاقل هو من يُحسن تمييز من يُخالط، ويُدرك أن بعض المعارك ليست للنصر، بل للنجاة من الخسارة، وأن الصمت في وجه الجاهل ليس ضعفًا، بل سموٌّ وفطنة.

فالجاهل – وإن لم يؤذك بيده – قد يجرّك إلى الوحل بلسانه، ويشوّه صورتك أمام من لا يُميّز بين الحق والباطل.

فاجعل من صحبتك انتقاءً، ومن مخالطتك تأنّيًا، قائمًا على معايير العقل والرشد.

ولا تأمن جاهلًا؛ فإنه سيفٌ بلا غمد، ونارٌ بلا وقود، تحرق من حولها بجهالةٍ لا وعيَ فيها ولا رحمة.

والسلامة في البُعد عنه، والنجاة في الإعراض عن جهله، والوقاية في الدعاء:

اللهم إني أعوذ بك من جهل الجاهلين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com