“لا تعانق شمس القيض”:

 

بقلم:عبدالعزيز عطيه العنزي

في وهج الظهيرة، حيث يتراقص السراب على كثبان الرمل الذهبية، شعرت برغبة جامحة لاحتضان الدفء المتوهج. كانت الشمس سيدة السماء، تفرش أشعتها كسائل ذهبي حارق، وتدعوني إلى لقاء محتوم.

مددت يدي ببطء، وقلبي يخفق بفضول طفولي. تخيلت كيف سيكون شعور أن أغمر جسدي بهذا النور القوي، أن أتحد مع مصدر الحياة والدفء. لكن صوتًا خفيًا همس في أعماقي: “لا تعانق شمس القيض.”

تراجعت يدي قليلًا، وتساءلت عن هذا التحذير الغامض. لماذا لا؟ أليست الشمس هي من تمنحنا الحياة؟ أليس دفئها هو ما يجعل الأرض تنبض؟

نظرت إلى الأفق البعيد، حيث تتلاشى الكثبان في ضباب حراري خانق. رأيت كيف أن هذا الدفء المفرط يحيل كل شيء إلى رماد، يجفف الأنهار، ويذيب حتى أصلب الصخور.

فهمت حينها الحكمة الكامنة في ذلك الهمس. ليست كل قوة قابلة للعناق، وليس كل دفء مأمونًا. بعض الأشياء، مهما بدت مغرية، تحمل في جوفها لهيبًا يحرق كل من يقترب أكثر من اللازم.

عدت ببطء، وسحبت يدي من وهج الشمس. شعرت بحرارة خفيفة تلامس جسدي، تذكيرًا بتلك الرغبة العابرة. ونظرت إلى ظلي الممتد على الرمال، رمزًا لوجودي المنفصل، المحتمي بحدود آمنة.

في ذلك اليوم، تعلمت درسًا قيمًا. أن الحب والشغف، كالشمس، يجب أن يُستمتع بهما بحذر وتبصّر. وأن الاقتراب أكثر من اللازم قد يؤدي إلى الاحتراق والفناء. وأن الحكمة تكمن أحيانًا في الابتعاد عن أكثر الأشياء إشراقًا وجاذبية.

لذا، تذكر دائمًا: لا تعانق شمس القيض، كي لا يحرقك لهيبها. استمتع بدفئها من بعيد، واستمد منها الحياة دون أن تفقد ذاتك في وهجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى