لا تلوموهم عندما يبكون 

 

الكاتبة وداد بخيت الجهني

قال أبن الفارض

وقد بكى من فرط مافيه

ذاك الذي لاشيء يُبكيه

من السهل أن تبكي الأنثى وهذا شيء ليس بجديد إذا لم يكن معتادًا، وذلك بحكم رقة مشاعرها،فالدموع تُجيد التعبير بها أكثر من لسانها، أو لأنها أقوى أسلحتها التي تستخدمها في مواجهة الأزمات، ومهما تعددت الأسباب فالمرأة دائماً تتحدث بعينيها، و تترجم مابداخلها فرحًا كان أو حزنًا بالدموع، ولكن عندما يتعلق الأمر بالرجل يختلف ذلك كثيرًا ،فبكاء الرجل له خصوصية مختلفة تمامًا عن بكاء المرأة، فعندما يبكى الرجل فهذا مؤشر على أن همومه أصبحت بأرتفاع رؤوس الجبال، و شلالات الحزن قد تدفقت عليه من كل أتجاه، و نبضات الألم على ردهات قلبه زارت، وجروحه الغائرة هبتّ عليه طيورًا، ورياح الألم رفرفت؛ فتقاذفت روحه فخارت قواه وجعلته يتلوى في دوائر اليأس، فبكائه أعلان أنه متعب ومجهم ولاطاقة له بالمزيد، فالكون قد ضاق عليه أفقاً وأرضاً ، يبكي الرجل عندما تُبالغ الحياة عليه بقسوتها، وتطحنه الصعوبات،ويُفاجئه القدر بتنوع الخيبات، يبكي عندما يعاني مرَّ الحياة، وقِلَّة الحيلة، يبكي عندما تُخلف الأحلام المنتظره مواعيدها معه، يبكي عندما يُفارقه الفرح يراه ولايحياه ، يبكي عندما تمتد يد الموت وتأخذ شخصاً كان جزء منه أو مُقربًا عزيزًا ، وغاليًا خاصةً إذا كان رقماً صعبًا في حياته لايستطيع تجاوزه ، فدموع الرحيل غالية، وثمينة، يبكي عندما تحني رأسه ظروف الحياة فيصعب عليه إيجاد لقمة العيش، ليطعم أفواه جائعة تنتظره، يبكي عندما يفشل في الحب، و عندما يتعسر عليه تكوين عائلة سعيدة، يبكي عندما تخونه صحته، ويكسره المرض، ويرتشف جرعات الألم، ويغرق في مشاعر الآسى، يبكي عندما يتخذ قرارات خاطئة ندم عليها، أو تردد في اتخاذها في الوقت المناسب، يبكي عندما يقضي حياته تعبًا ، وسهرًا على راحة أبنائه ونعيمهم ؛ فيقابلوا ذلك بعقوقه، يبكي عندما يطرق الفراق بابه زائراً، ويحل ضيفاً ثقيلاً عليه ، فيفارق شخصاً كان بانياً أحلامه، ودنياه، ومستقبله بوجوده، ولكنه اكتشف أنه بالغ في تجسيم الأحلام، والآمال عليه، فالأجواء الخانقة بينهما جعلت الفراق واقعاَ مفروضاً، والخسارة حتمية، فمغادرة قلوب الأحبة وإن كانت قرارًا فهي مؤلمة،

يبكي عندما تُجبره الحروب أوالظروف على هجرة وطنه، و مغادرة أرضه، فترسوا سفنه بعيدة عن شواطئه، وتجرف أحلامه في أمكنة لم يزرها يوماً، فالغربة تستنزف العبرات من الأجفن استنزافاً، وتكوي القلب بلهيب نارها،

نعم يبكي الرجل رغم شموخه وليس ذلك ضعفاَ ينُعت به فالدموع عندما تُذرف في مكانها الصحيح قوة فهو أولاً وأخيرًا إنسانًا ليس عصيّاً عن الألم، إنسان تُحركه المشاعر،والأحاسيس فمن حقه أن يعيش الحياة بكل تفاصيلها، فالحزن أحساس لاضيرَ أن يعيشه كاملاً كالفرح تماماً، فشَوْك الورد لايُنقص من جماله شيئًا،والدموع من نعم الله علينا كي نستعيد توازننا، وننفس عن التراكمات، ونغسل درنات الحزن، والغم، فالحياة ليست دائماً على الوجه الذي نُحب،وليست أناملها دائماً حانية، فالبكاء حق مشروع لكلا الجنسين، وفطرة بشرية وهو مشهد من مشاهد الإنسانية عند الرسول صلى الله عليه وسلم حين كانت تمر به المواقف المختلفة فتهتز لأجلها مشاعره ، وتفيض منها عيناه، ويخفق معها فؤاده الطاهر فقد حزن عند وفاة زوجته السيدة خديخة رضي الله عنها، وبكى عند موت ابنه إبراهيم وعندما تعجب أصحابه رضوان الله عليهم من بكائه لاعتقادهم أن بكاء الرجال نوع من النقص الذي يجب أن يترفعوا عنه فأوضح لهم صل وسلم عليه وسلم أن تلك الدمعات من الرحمة التي أودعها الله في قلوب عباده وأن ذلك لايتنافى مع الصبر وقال صل الله عليه وسلم مقولته ( إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلاّ مايرضي ربنا)

وأخيرًا فكل من جُبل من طين قابل للبكاء مهما ناطح الجبال شموخًا، وصمودًا، فالدمعة حتى وإن كانت صامتةً، وبعيدةً عن الأنظار تغسل عن القلب كل ما لوث مرارة الكلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى