لم أسمع ولم أرَ… ولكن قالوا ويقولون

بقلم / عبدالعزيز عطية العنزي
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، وتتعالى فيه الأصوات عبر المنصات الإعلامية ومواقع التواصل، تبرز ظاهرة خطيرة باتت تُشكّل تحديًا أمام الوعي الجمعي، وهي ثقافة “قالوا ويقولون”.
تلك العبارات التي تُختصر فيها حكايات غير مكتملة، ومعلومات بلا مصدر، وآراء تُبنى على الظن لا على الحقيقة.
في عالم الإعلام، يُعد النقد البنّاء ركيزة أساسية لتصحيح المسار وتطوير الفكر.
لكن حين يتحول النقد إلى حكاية منقولة بلا تحقق، فإنه يفقد قيمته، ويتحوّل إلى أداة تُثير الجدل وتُشوه الصورة بدل أن تُصلحها.
فكم من شخصٍ حُكم عليه بعبارة «قالوا»، وكم من فكرة أُجهضت بسبب «يقولون».
النقد مسؤولية، لا وسيلة لتصفية الحسابات أو استعراض الآراء.
هو فنّ يقوم على المعرفة والاطلاع والتثبت، لا على السماع والنقل.
فالناقد الواعي لا يتحدث إلا بعد أن يرى ويسمع ويتحقق، لأن الكلمة في زمن السرعة أصبحت سلاحًا، إما يُبني به فكرٌ ناضج، أو يُهدم به جهدُ سنين.
ثقافة “قالوا ويقولون” لا تُهدد الأفراد فحسب، بل تُضعف الثقة بالمؤسسات، وتُربك المشهد الإعلامي، وتُغذي الانقسام داخل المجتمع.
ومن هنا تأتي أهمية أن نُعيد للنقد مكانته الحقيقية، ليكون منبرًا للوعي والإصلاح، لا منبرًا للتجريح والإثارة.
إنّ من واجب كل إعلامي ومثقف وصاحب رأي أن يتحرّى الصدق قبل أن ينقل، وأن يسمع قبل أن يحكم، لأن الكلمة حين تخرج من غير وعي، تُصبح أحيانًا أخطر من الفعل نفسه.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل نريد أن نكون ممن يرون ويسمعون ويعقلون قبل أن يتكلموا،
أم ممن يكتفون بأن يقولوا… لأنهم فقط سمعوا أن “قالوا ويقولون”؟



